الشيخ خلفان الهدابي.. لمسة وفاء

زاهر المحروقي

حقَّق نادي فنجاء يوم 24/4/2016، بطولة الدوري العام العماني لكرة القدم للمرة التاسعة في تاريخه، وأضاف إلى خزانته لقباً جديداً، مما جعله في مقدمة الأندية العمانية من حيث عدد البطولات. وفي الواقع، فإنَّ هذه الإنجازات ما كانت لتتحقق لولا تضافر جهود مجلس الإدارة وعلى رأسه المهندس سيف السمري، وكذلك اللجان الرئيسية والفرعية والجماهير، وهناك من أعطى لهذه الكيان جهده ووقته حتى وصل إلى ما وصل إليه؛ منهم: السيد سامي بن حمد، وكذلك الراحل حمد بن سلطان الهدابي الذي رحل والدوري يلفظ أنفاسه الأخيرة فغاب عن التتويج لأول مرة، وغيرهما الكثير؛ ولا يمكن الحديث عن نادي فنجاء دون ذكر المرحوم الشيخ خلفان بن ناصر الهدابي مؤسس النادي، وهو الرجل الذي رحل عن دنيانا وقد عاش فيها بروح شبابية؛ فكان ذلك سرًّا من أسرار تعلق الناس به شياباً وشباباً، والغريب في أمره؛ أنه في شبابه اتسم بروح الأبوية لكلِّ الناس، وفي كبره اتسم بروح الشباب الذين عمل لهم ومن أجلهم طول حياته.

لقد عرفت الشيخ خلفان أو "العم" خلفان كما كنا نسميه، في نهاية السبعينيات، وكانت معرفة اسمية فقط؛ حيث لم أتعرف عليه عن قرب إلّا في الثمانينيات عندما صار تعاملي معه مباشرة بحكم ارتباطنا بنادي فنجاء، فقد كنت في السابق أشاهده في بعض المباريات التي كنت أحضرها، وكنت أتساءل عن سر هذا النشاط وعن تعلقه الشديد بهذا النادي؛ حيث كان في المقدمة دائماً في كلِّ مباراة، وعندما اقتربت منه عرفت قصة تأسيسه للنادي، فالإنسانُ دائماً يرتبط بإنجازاته، وكأنها ابن من أبنائه؛ لذا كان ارتباط عم خلفان بنادي فنجاء ذلك الارتباط الذي استمر حتى وفاته في نوفمبر 2004.

لقد ارتبط عم خلفان مع أخيه سليمان ارتباطاً روحياً، حيث عادا إلى الوطن معاً من الجزيرة الخضراء، وذهبا معاً للعمل في الكويت، وعادا معاً إلى عمان، فأسّسا نادي فنجاء معاً، مع مجموعة أخرى من المتحمسين والغيورين من فنجاء، واستمر إشرافهما على النادي رغم ابتعادهما عن الرئاسة؛ وقد يكون ما ميّز نادي فنجاء منذ بداياته الأولى أنه كان نادياً لكلِّ العمانيين، وقد كان الوحيدَ الذي ترأسه رؤساء من خارج الولاية، وكذلك لعب فيه اللاعبون العمانيون من كلّ الولايات قبل أن يتم تطبيق الاحتراف، بحيث يلعب أيّ لاعب لأيّ نادٍ يرغب فيه حسب "العرض والطلب"؛ فلم يكن نادي فنجاء نادياً قبلياً أو مناطقياً قط في يوم من أيامه، ويُحسب للشيخ خلفان أنه استطاع أن يضم فيه أكثر المواهب في عُمان في الثلث الأخير من القرن الماضي دون مقابل يذكر، وإنّما احتراماً وحباً في شخص الرئيس وتقديرا له، حيث عاملهم معاملة أبوية. وقائمةُ نجوم الكرة العمانية في السبعينيات والثمانينيات تضمنت الكثيرين من نادي فنجاء؛ حيث تفرّد النادي بضم لاعبين موهوبين تدربوا وتعلموا أساسيات كرة اللعبة في المهجر، فكان من الطبيعي أن يسيطر فنجاء على البطولات والألقاب في السبعينيات بجيل ذهبي ضم أسماء لامعة، ثم لحقهم جيل الثمانينيات الذين كانوا نجوم تلك الفترة.

... إنَّ ارتباط الشيخ خلفان بالرياضة لم يكن لحظة تأسيس نادي فنجاء فقط؛ بل كان ارتباطاً قديماً أصيلاً؛ عندما ترأس فريقاً في الجزيرة الخضراء اسمه "كوز موز" وحقق معه البطولات. وقد تعامل مع الكلِّ بأبوية وبتلك الروح الشبابية؛ فكان كريماً سخيًّا لم يبخل بشيء من ماله، وكان بيته بيت الجميع، وكان الخير الذي رزقه الله خير الجميع، وكان يستقبل الناس بتلك الابتسامة الواسعة من بعيد؛ ورغم أنّ الله سبحانه وتعالى قد ابتلاه؛ إلّا أنّ تلك الابتسامة لم تفارق محياه قط، فقد وقع حادث سير لابنه الأثير خالد -الذي كان أحد أبرز الوجوه الشابة في لاعبي فنجاء وكان ينتظره مستقبل كبير في عالم الكرة- ممّا أثّر كثيراً فيما بعد على الشيخ خلفان، إذ كان ذلك الحادث نقطة تحول كبيرة في حياته؛ فقد ظلَّ خالد في شبه غيبوبة دون حركة، ممّا استنزف الكثير من جهد ومال والده؛ وفي هذا الوقت العصيب؛ إذ يُبتلى الشيخ خلفان بوفاة ابنه أحمد، في وقت كان يرى فيه الشيخ خلفان تدهور "القلعة الفنجاوية" التي أسّسها وبناها، وسط متغيرات قاعدة اللعب، حيث صارت متطلبات الأندية أكثر، وصار اللاعبون لا يلعبون إلّا بالمادة ومن أجل المادة، عكس ذلك الجيل الذي ترافق معه منذ تأسيس النادي، إلا أنّ ابتسامة الشيخ خلفان لم تفارقه وظلّ صبوراً محتسباً الأجر عند الله -ولا نزكي على الله أحدا- وكان كثيراً ما يردد أنّ "أزمة خالد لم تترك لي العقل"، وقد كان هذا الكلام صحيحاً، لأن الأزمة كانت نقطة تحول كبيرة حتى وفاته.

عندما تولى جلالة السلطان قابوس المعظم الحكم؛ عاد الكثير من العمانيين إلى الوطن، وكانت لهؤلاء أنشطة رياضية مختلفة. والشيخ خلفان وأخوه سليمان كانا ممّن عادوا إلى الوطن بعد رحلة عمل في الكويت، وكان إنشاء الأندية قد بدأ في عُمان، وبما أنّ الشيخ خلفان سبق له وأن ترأس نادياً في الجزيرة الخضراء في الشرق الإفريقي؛ فقد جاءته الفكرة بأن يُنشئ نادياً أسوة بالولايات الأخرى، خاصة بعد أن قام بزيارة لنزوى ووجد فيها نادياً؛ هنا اجتمع مع بعض المتحمسين من فنجاء وقرروا تأسيس ناد رياضي. ويقول الشيخ سليمان بن سعيد الهدابي -وهو ضمن المؤسسين الخمسة أو الستة- إنه يذكر جيداً اجتماعهم في الوادي في ذلك اليوم من عام 1971، عندما طرح عليهم الشيخ خلفان فكرة إنشاء ناد رياضي، فتحمسوا للفكرة التي لاقت قبولاً حسناً لديهم، ونشطوا جميعاً في سبيل تنفيذها، وقد قوبلت الفكرة بالتأييد والتشجيع من شباب فنجاء حتى بلغت تضحية أحدهم وهو شمبيه بن وليد صاحب مقهى تقديم المشروبات والوجبات الخفيفة، أن تبرع بمقهاه ليكون مقراً للنادي الوليد، فيما قام الشيخ خلفان وصحبه بجمع التبرعات التي وصلت إلى 70 ريالاً، فكان ذلك كفيلاً بإنشاء النادي الذي سُمّي في البداية باسم "نادي القناة" والذي تم إشهاره رسمياً في اليوم الثالث من أغسطس 1973، باسم نادي فنجاء؛ وقد قام أولئك النشيطون والمتحمسون بإصلاح ملعب ترابي بين جبلين، وتم شراء كرة قدم وبعض الألبسة الرياضية من الـ70 ريالاً؛ فيما تولى التدريب اثنان من المؤسسين هما الشقيقان خلفان وسليمان الذي كان أيضاً أحد لاعبي النادي الأوائل، وقد تركا مهمة التدريب فيما بعد لأشهر مدرب مرَّ على نادي فنجاء وربما على الكرة العمانية، وهو السوداني الكابتن سبيل أحمد سبيل الذي ارتبط اسمه بنادي فنجاء لأعوام عديدة ولأكثر من مرة وبأكثر من بطولة.

إذا كنتُ في أكثر من مقال في كتابي "بأعمالهم لا بأعمارهم" قد ركزتُ على من أعطى ولم ينل التكريم؛ فإنّ الشيخ خلفان بن ناصر الهدابي واحد من هؤلاء؛ فقد أعطى للرياضة العمانية الكثير، وقدم العديد من الأسماء البارزة في المنتخبات الوطنية من لاعبين ومدربين وإداريين بعضهم لا يزال يعمل حتى يومنا هذا في المجال الرياضي، ولكنه ذهب دون أيِّ تكريم، فقد كان روحَ نادي فنجاء، حيث بذل كلَّ ما يملك من ماله ووقته للنادي. وإضافة إلى ذلك، فقد كان هو من يبحث عن رؤساء للنادي وكذلك اللاعبين، ممّا جعل نادي فنجاء نادي الجميع وليس لأبناء فنجاء وحدهم، ولقد قاد دفة النادي، برغم كلِّ الصعوبات التي كانت تعترضه؛ ومنها قلة الإمكانيات المادية وعدم توافر المنشآت.

مرَّت على نادي فنجاء ظروف صعبة، ومرت على الشيخ خلفان ظروف أصعب لدرجة أن يقول: "وصل بنا الحال أن نشحت"، ولكن على الرغم من ذلك إلّا أنّ النادي حافظ على رقمه القياسي في الحصول على البطولات، وهو الحصول على 9 بطولات كأس صاحب الجلالة السلطان المعظم، و9 بطولات دوري، كذلك كان النادي العُماني الوحيد الذي نال بطولة مجلس التعاون لكرة القدم وذلك عام 1989، وفاز النادي أيضاً ببطولة مجلس التعاون الخليجي للأندية الأبطال (تحت 17 سنة) مرتين: 1995 في السعودية و1997 في قطر.

... إنَّ أعظم تكريم ناله الشيخ خلفان الهدابي هو حب الناس له، وتلك الإنجازات التي حققها ناديه خلال السنوات الماضية، ويكفي أنّ الجيل الجديد يحمل اسمه في معظم مباريات الفريق، وكذلك صوره وصور السيد سامي بن حمد، الذي حقق أيضاً إنجازات كبيرة لنادي فنجاء هي جمعه بين بطولتي الكأس والدوري في ثلاثة مواسم متتالية.

تعليق عبر الفيس بوك