نحن الدول الأولى باستيراد السلاح.. ولا فخر!

د.سعد بساطة

تحدَّثنا عن التقنية اللازمة للتنمية؛ ولايفوتنا هنا التنويه بأن التقانة لا تأتي بالمجان؛ ففي عالمنا المتوحش هذا لا يوجد غداء مجاني! فكل شيء له مقابل.. الدول الصديقة؛ ودول الجوار؛ والدول المتحالفة: نفترض فيها النوايا "الحسنة"، ولكنها ليست جمعيات خيرية، ماذا تريد مقابل التقنية؟ دراهم تغطي بها نفقات التحديث والتطوير ونقل التكنولوجيا...وغيرها؛ فهي بدورها لم تصل إلى ما وصلت إليه نتيجة ضربة حظ؛ أو صدفة سعيدة ما.

والمشكلة: أن الميزانية "مضغووووطة" -كالعادة- ولا نستطيع الحصول على "الألوف" في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة؛ ولكن وبقدرة قادر؛ وبمجرد الحديث عن "عدو" يزعزع الأمن؛ أو حشود عسكرية لدولة جارة؛ أو نشم رائحة قلاقل في الأفق -القريب أو البعيد جداً على حدٍّ سواء- تظهر "ملايين" كانت هاجعة في الموازنة؛ ونسمع عن عقود مستعجلة لاستيراد الأحدث لترسانتنا المتخمة للتو.. معجزة؛ كيف هذا؟ التفسير لدى صناع القرار!

منذ الخليقة، اعتبر رجل الغابة "الآخر" بمثابة عدو محتمل؛ ومنذ ذاك الحين استعد له بكل أصناف الأسلحة؛ وتم تطويرها بشكل دائم، ولكن أن يصبح التسليح على حساب قوت الشعوب؛ وازدهار البلاد فهذا أمرٌ لايعقل!

دعونا نلقي نظرة على الإحصائيات العالمية؛ فالأرقام لا تكذب:

وفقا لدراسة معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام؛ فالهند تحتل المرتبة الأولى (14%) في مستوردات الأسلحة، وتسيطر الثانية/السعودية على 7% من حصة المستوردات العالمية للأسلحة، في حين جاءت الصين في المرتبة الثالثة 4.7% في هذا التصنيف؛ فيما بلغت حصة الإمارات الرابعة عالميا 4.6%.

لقد ارتفعت نفقات السعودية العسكرية بنسبة 275% خلال بين 2006 و2010، فيما ازدادت نفقات الإمارات على السلاح بنسبة 35%، وقطر بنسبة 27%!

وحسب الدراسة، فإنَّ نفقات التسلح في زيادة مستمرة بين عامي 2011 و2015 بنسبة 14% مقارنة بالسنوات الخمس السابقة.

وتبقى الولايات المتحدة وروسيا أكبر مُصدِّرين للأسلحة في العالم، حيث تسيطر الولايات المتحدة -حسب المعهد السويدي- على 33% من سوق الأسلحة في العالم، تليها روسيا بنسبة 25%، وتأتي الصين في المرتبة الثالثة بنسبة 5.9%، وفرنسا في المركز الرابع بنسبة 5.6%.

وعن التوزيع الجغرافي لتعاقدات نقل الأسلحة، يُشكِّل الشرق الأوسط سوقاً أساسية لتجارة الأسلحة التقليدية في الدول النامية؛ الأمر الذي يشير لوجود علاقة قوية بين تركز الصراعات والتوترات الإقليمية والمحلية من ناحية، ودرجة استقطاب تلك الأقاليم لتعاقدات نقل الأسلحة.

وصرَّحت وكالة الأمن القومي الأمريكي، مؤخراً، عن ارتفاع بمبيعات السلاح للنصف الأول من 2016؛ وأعلنت عن عقود بقيمة 29 مليار دولار؛ وأخرى قيد الانتظار؛ منوهة بأنَّ دول الشرق الوسط هي المشتري الأساسي.

ووفق التقارير الدولية؛ فالسعودية أضحت أكبر مستورد للأسلحة في العالم مع استيراد معدات عسكرية بقيمة 6.4 مليار دولار، وتقدمت على الهند (5.5 مليارات دولار) وأصبحت "أهم سوق" للولايات المتحدة. وأشارت المجموعة إلى "أن الشرق الأوسط هو أضخم سوق إقليمي لمبيعات الأسلحة ويتوقع أن تبلغ وارداته منها نحو 110 مليارات دولار خلال السنوات العشر المقبلة". أما في مجال التصدير، فذكر التقرير أن الولايات المتحدة بمبيعاتها التي بلغت قيمتها 23.7 مليار دولار تؤمن ثلث مجمل الصادرات العالمية، وتحتل روسيا (التي تصدر خاصة إلى الصين) المرتبة الثانية بين أكبر البلدان المصدرة للأسلحة في العالم!

أجد من الضروري التطرق هنا إلى: مؤتمر نزع السلاح، الذي تأسس عام 1979 كمنتدى متعدد الأطراف للتفاوض على المستوى الدولي في شؤون نزع السلاح. ويعد مدير عام مكتب جنيف للأمم المتحدة أميناً عاماً لهذا المؤتمر. وأبرز مهامه: وقف سباق التسلح النووي والدمار الشامل؛ ونزع السلاح النووي، ومنع حدوث سباق تسلح في الفضاء الخارجي، والبرنامج الشامل لنزع السلاح والشفافية في مسألة التسلح.

وعدد أعضاء مؤتمر نزع السلاح 65 دولة؛ ويعاني في الخمس عشرة سنة الأخيرة من الشلل (لاتسألوا "لماذا"؟).

وتتلاعب المؤسسات الكبرى بمصائر العالم وفق خطط "خبيثة" بغالب الأحيان؛ فهي لترويج مبيعاتها من الأمصال والكيماويات "تطنطن" بأخبار مكررة ومضخمة عن أمراض وجائحات مبالغ بها ؛ ومن الممكن أن تقوم باختراعها إذا اقتضت الضرورة!

كما يفعل في المسلسلات الكوميدية القديمة "وبطريقة ساذجة" بغية استجلاب الزبائن: مصلح العجلات برمي كم من المسامير في الطرقات إذا كسد عمله!

وبالمثل فيما يتعلق بالترويج للأسلحة: فبلداننا حقل تجارب لأحدث مخترعات السلاح في العالم؛ وشعوبنا فئران تجارب لها! وأغلب حكومات المنطقة بمثابة "أمر صرف" لتحرير شيكات لتلك الشركات لتضمن استمرار عامليها ورفاه بلادها!

طرفة -غير بريئة- ترسل المافيا وروداً لضحاياها، وفي بعض الأحيان تحصل مفارقات غير مستحبة؛ كأن تصل الزهور مبكرة لبيت "المرحوم" للتعزية وهو لا يزال يتمتع بعافيته! وهذا ما تقوم به بعض دول الغرب بلؤم شديد؛ فهي "تطنطن" بشأن الأخطار الطائفية؛ وتبيع الأسلحة لكل دول المنطقة؛ ثم تفتعل حادثة ما لتبرر شراء تلكم الأسلحة؛ وبعدها -بلطف لامتناهي- تدعو دول المنطقة لالتزام الهدوء؛ نفاق مابعده نفاق!

الهدفُ من المقال تفتيح العين -إذا كانت لا تزال نائمة- على جشع صناع وتجار الأسلحة؛ ووضع اقتناء السلاح قبل أهداف الألفية التنموية (وقبل الدواء والقمح)؛ وهنا أطرح السؤال: ماذا فعلت هذه بترسانة الأسلحة الأسطورية التي في مخازنها؟

"لو" كانت الأيادي أمينة وحريصة على الوطن، فيجب في هذه الحالة تشكيل فرق عمل اقتصادية/فنية لجدولة المشاريع لغرض تخصيص الأموال اللازمة في المشاريع المثمرة؛ وأهمها: إعادة بناء البنى الأساسية التي تؤدي لتقديم الخدمات من: كهرباء ومياه صالحة للشرب والاهتمام بالقطاع الصحي وتطوير منظومة التعليم وتشغيل الأيادي العاملة الوطنية وبناء دور سكنية لحل أزمة السكن والمتجاوزين وبناء السدود لخزن مياه الامطار واتباع سياسة حكيمة في استثمار الأراضي الزراعية والبدء بمشروعات صناعية وخدمية.

تعليق عبر الفيس بوك