نحن والذكاء الاصطناعي

علي بن مسعود المعشني

هناك العديد من التعريفات للذكاء الاصطناعي، ولكن هناك أربعة تعريفات هي الأكثر شهرة وانتشاراً في أوساط المجتمع العلمي والجامعات في العالم، وعلى أساسها تعمل المجموعات البحثية والعلمية لتطوير برامج جديدة تُساعدهم في الحياة العملية: ((الأنظمة والآلات التي تفكر كالبشر، والأنظمة التي تتصرف كالبشر، والأنظمة التي تفكر بشكل عقلاني، والأنظمة التي تتصرف بشكل عقلاني)).

إذ كان لابد من تصميم آلات تفكر كالبشر، فلا بد لنا أن نفهم كيف يفكر البشر!! لذلك فإنه يجب علينا أن نفهم تماما الطريقة التي يعمل بها دماغنا. ولتحقيق ذلك توجد طريقتان: فهم الدوافع التي تؤدي إلى نشوء أفكارنا ومن ثم محاولة التقاطها والعمل مثلها أو محاكاتها.

من خلال فهم التجارب النفسية والتحليلية للإنسان.

إذا كانت لدينا نظريات كافية وواضحة ومحددة للدماغ، فإنه من الممكن عندها أن نعبر عن تلك النظريات ببرنامج أو نظام آلي.

فبعض الباحثين قاموا بتطوير أنظمة لحل المشكلات وبرامج بالاعتماد على سلسلة من الخطوات مقارنة بالخطوات المنطقية التي يتبعها الدماغ البشري لحل نفس المشكلة.

هناك العديد من العلوم التي يُمكن تطور العمل في مجال الذكاء الاصطناعي؛ ومنها: العلوم الإدراكية التي تعتمد بشكل أساسي على التحقيقات التجريبية للتصرفات البشرية والحيوانية. إنَّ اجتماع العلوم المختلفة من مجال العلوم الإدراكية مع النماذج الحاسوبية المستخدمة في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات التجريبية من العلوم النفسية يمكن لها تبني نظريات محددة للطريقة التي يعمل بها الدماغ البشري. وأن هذا الاجتماع يغني كل العلوم الانفة الذكر ويمكن أن تقدم لنا إمكانيات تطويرية في مجالات عدة، خاصة في مجال الرؤية الحاسوبية ومعالجة اللغات الطبيعية وفي الطرق التعليمية. (ويكيبيديا الموسوعة الحرة)

عرفت مسيرة الإنسان الكثير من التطورات والتحولات في حياته، وكانت جميعها بدواعي الحاجة لتذليل صعاب الحياة ومتطلبات الاعمارومواكبة التطور الطبيعي والنمو للأشياء من حولنا، وكانت فيما مضى تلك الابتكارات تؤطرها الأخلاق والقيم والمنفعة المجردة من أي شيء سوى خدمة الإنسان نفسه.

فكانت الأنسنة هي السمة الغالبة والطاغية عليها؛ حيث لم يشُب تلك الابتكارات جشع ولا استغلال ولا احتكار كما هي الحال بيننا اليوم، فقد كانت تلك التطورات من نتاج التعليم الموسوعي في مراحل متأخرة من عمر الحضارة البشرية، ذلك التعليم الذي ينظر للأشياء ويوازنها من مختلف الزوايا والأبعاد قبل إقرارها واعتمادها للمنفعة البشرية والاستغلال الإنساني.

وبتولِّي الغرب زمامَ القيادة للمدنية والحضارة الإنسانية أدخل من ثقافاته ومفاهيمه ونظرياته للتطور والابتكار ومزجها بروح الجشع الرأسمالي والاحتكار لضمان التبعية والانقياد من الآخر له، فأفرط في الإنتاج ووسائل التسويق والترويج إلى حد الغواية إشباعًا لنهم جشعه والسعي خلف الربحية العارية المجردة من أي قيمة أخلاقية أو حتى حاجة حقيقية فرأينا ثقافة الاستهلاك المفرط تغزو العالم وأتت على حساب هدر ثروات وإستباحة أوطان والفتك بالشعوب عبر احتلالات مسلحة أو انقياد أعمى وبلا ضوابط أو حدود.

حيثُ ساد التخصص العلمي وأفتتن كل علم بمالديه وتفرد دون سواه بالساحة، مستعرضًا عضلاته وقوته ونفوذه وسطوته بمعزل عن علوم ومعارف أخرى، فأتت النتائج الكارثية عبر إحلال الآلة والتقانة كبديل عن البشر في الإنتاج لتقليل الكلفة وزيادة الربحية، وتمَّ التلاعب بالجينات والمكونات الأصلية للمنتجات، خاصة الزراعية والحيوانية منها لتحقيق أكبر قدر ممكن من الانتاج وتكدس الأرباح.

ومن المعلوم أنَّ الخطوتين تسببتا في بطالة كبيرة بين البشر في العديد من البلدان الصناعية، وأنتجت في المقابل جملة من الأمراض التي صنفها الطب الحديث تحت مسمى "أمراض المدنية الحديثة".

ومع شيوع تقانة الادوات الذكية من هواتف وحواسيب وغيرها، والتي أنتجت في سياق ماعرف بالذكاء الاصطناعي كجيل متقدم من الصناعات، ألغى الإنسان عقله وأصبح رهينًا لتلك المنتجات الخطيرة والتي تفكر بالنيابة عنه.

ولم يتوقف الأمر عند هذا، بل زحف الذكاء الاصطناعي ليغيِّر مفاهيم الناس للأنشطة التجارية وأنماط الحياة، وجعل بعضها من الماضي، وسيجعل المزيد منها كذلك في غضون سنوات قليلة.

لنا أن نتخيَّل وجود سيارات ذكية بلا سائقين ونطلبها في أي لحظة نشاء عبر الهاتف، ونحدد لها إحداثيات موقعنا والمواقع المراد الوصول إليه، ولنا أن نتخيل أن جميع أعمالنا وفحوصاتنا الطبية وتعليمنا وإنجاز أعمالنا واستشاراتنا سيكون كل ذلك عن بُعد، ولا يتطلب منا حضورًا أو انصرافًا أو مراجعات أو طوابير انتظار أو انتظاما في الحضور.

قد يبدو الأمر مُغريًا لنا في تذليل الكثير من الصعاب الظاهرية وتحطيم الروتين والبيروقراطية وقبل ذلك تحطيم الكثير من السلوكات الموروثة والتقاليد المعتادة وهدر الوقت والجهد، ولكن في المقابل علينا أن نعلم أنَّ هناك الكثير من الضحايا لهذه الثورة المجنونة من بشر معطلون واستثمارات وأنشطة تجارية سيصيبها الكساد ويطويها الزمن والنسيان معًا.. وبالشكر تدوم النعم!

-----------------------------

قبل اللقاء: "العالم، كلحيتي وصلعتي، غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع".. (برنارد شو).

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك