"وما ماتت مكارمهم"..!

رقيَّة الشهوميَّة

يقول الشاعر:

قد مات قوم وما ماتت مكارمهم

وعاش قوم وهم بالناس أمواتُ

هنالك أنواع من البشر منهم الخالدون على مرِّ العصور، وقد خلدهم التاريخ لمحاسنهم أو لمساوئهم، وهنالك الصنف المنقرض من طائفة الديناصورات لم يذكرهم التاريخ بشيء. أنت الآن وأثناء قراءتك لهذه السطور بصدد اختيار صنفك المستقبلي. أنصحك بأن تكون من الخالدين لمحاسنهم لتسطِّر اسمك من ذهب في صفحات التاريخ ولتنال خيري الدنيا والآخرة. قدِّم خيرا للبشرية لا تكن أنانيا لنفسك فتموت مع أنانيتك، كن كريما بعقلك لتنال وسام الخالدين العقلاء، أو كن كريما بعلمك لتنال شرف "عالم"، أو كن كريم المال، كريم الأخلاق، كريم العمل، كريم النفس.. اجتهد وجاهد النفس، وفكر وتفكر وابتكر؛ فالجينات التي حملها الخليل بن أحمد الفراهيدي وابن سينا والرازي وتوماس أدسون وإنشتاين ومندل، تحملها أنت الآن في زمان أكثر مواءمة للابتكار من زمانهم. اترك بصمة لك في هذا الوجود وقدم شيئًا يليق بإنسانيتك.

لقد أورث الله الأرض للإنسان لأنه القادر على إعمارها، وحباه نعمة العقل التي ميَّزته عن سائر المخلوقات على وجه الأرض، فإنْ أحسنت استغلال هذا العقل ووظَّفته بما يخدم الإنسانية فقد نلت شرف الخليفة في الأرض، وإن لم تستغل عقلك في شيء فلا فارق بينك وبين سائر المخلوقات، بل قد تصبح أفضل منك لأنها تؤدي وظيفتها في هذه الحياة بما تستطيع وبما تملك من قدرات.

أنت تملك من المقدرات ما يُميِّزك بطبيعة الحال عن غيرك، وتملك مواهب وتميل لأشياء تختلف عن غيرك؛ فقد تنجح في أمر فشل فيه غيرك فلا تجعل عقلك حبيسا لفشل الآخرين وأطلق العنان لإبداعك. ومن هذا المقام، هناك ما أودُّ أن يصل إليك أيها القارئ مفاده أن النجاح لا يأتي كومة واحدة فقط تسقط من السماء، وإنما هو تراكم لأيامٍ وسنواتٍ عديدة من الجهدِ والبذل العميق، والإخلاص في طلب النجاح في عملك. ومع هذا وذاك، لابد للرغبة أن تكون مواتية للعمل المبذول فيه، فلا نجاح في شيءٍ لا رغبة لك فيه، والتكلفّ في الأمورِ يُولدَ شيئا زهيدا لا يساويه ثمن، والرقي لهامات النجوم هو مطلب كل إنسان على هذه البسيطة لكن يختلف كل إنسان عن الآخر في تفكيره وفي المستوى الذي يريد أن يكون عليه؛ فمنهم من يريد أن يكون بمستوى فلان وفلان، ومنهم ما لا يرضى إلا بمستوى هو حدده ويبتغيه، وما يجمع المؤمنين حقا هو هدف الجنة التي يستطيب بها كل جرح، وتهيم فيها كل روح، وتسعى إليها الأفئدة؛ فالعمل الصالح هو ما يجب أن يجعله المؤمن نصبَ عينيه ومتناول راحتيه حتى ينال بذلك ما يبتغي، وحتى يجد الراحة في الدنيا والآخره، وكل نجاحٍ يُغضب الخالق هو ليس بنجاح؛ فالنجاح هو نجاح الدنيا والآخرة وليس الدنيا فقط؛ فالأعمال والنوايا تنطلق من مبدأ رضا الله ومن هذه الغاية، ومنهج النجاح واضحٌ؛ فالمنهج الرباني كالشمس في رابعة النهار قال تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم وسوله والمؤمنون".

فمهما كان نجاحك في وظيفتك، قدِّم من خلالها عربون خلودك واترك أثرا طيبا محمودا، كالذي تركه من شجَّعني على كتابة هذا المقال.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة