توزيع الأراضي ومحاربة الزراعة

خالد الخوالدي

أثار مقالي الأسبوع الماضي "جريمة الاعتداء على سهل الباطنة"، الكثيرَ من ردود الفعل من قبل الكثير من الغيورين على تربة هذا الوطن، وإن كُنت ركزت على سهل الباطنة في مقالي إلا أنني عمَّمت هذا على جميع محافظات السلطنة؛ لأن المخططات السكنية والتجارية والصناعية تلتهم كل البقع الزراعية في ربوع هذا الوطن الغالي.

ومن ضمن الردود رد وردني عن طريق البريد الإلكتروني من أحد القراء، وللأمانة أنشره كما هو مع بعض التعديلات البسيطة: (تعقيبا على مقالك بجريدة "الرؤية" العمانية "جريمة الاعتداء على سهل الباطنة")، لقد أثار مقالك شجوني وشجون الكثير من الغيورين الذين بحت أصواتهم وهم يصرخون للمصير الذي تواجهه الزراعة في بلادنا، وكأن الحديث عمَّا يسمى "الأمن الغذائي" إنما هو مجرد حبر على ورق وللاستهلاك الإعلامي فقط، وبالنسبة لموضوع حديثك حول أراضي الباطنة الزراعية، أود إفادتك بأن هذه الجريمة لم تقتصر على الباطنة فقط، بل شملت كل المحافظات، وسأضرب لك أمثلة على ذلك؛ حيث كانت في محافظة الداخلية أراض خصبة جدا بمساحات كبيرة جدا يقصدها الأهالي، وقد تعارفوا عليها بزراعتها في أوقات توفر المياه (الخصب) لزراعتها بالزراعات الموسمية مثلا القمح وقصب السكر والبقوليات...وغيرها، وهذا فكر دقيق عجيب يدل على الفهم العميق لطبيعة المكان والظروف فهم ﻻ يزرعون تلك الأراضي إﻻ في أوقات الخصب ولمحاصيل ﻻ تدوم طويلا، بينما بقية الأراضي التي تكون عادة قريبة من السكن وتتوافر بها المياه حتى في أوقات المحل، فإنهم يزرعونها بالمحاصيل الدائمة كالنخيل والحمضيات وغيرها من الفواكه، وكانت تسمى وﻻ تزال التسمية باقية "غبرة"؛ فهناك غبرة نزوي وغبرة بهلا وغيرها أخذا من الغبار أي الأرض ذات التربة الجيدة، كما أنَّ هناك أراضي مخصصة أيضا أوقات الخصب عندما يزداد منسوب الأفلاج، ويزيد عن حاجة الأراضي التي يسقيها عادة، فإنه تسقى به أراض أخرى، وتستغل في الزراعة مثال ذلك (حيل فرق) في ولاية نزوي الذي جرى توزيعه إلى أراض سكنية وتجارية فخسرنا أراضي خصبة ﻻ تعوض أبدا، والحكاية ذاتها في ولاية بهلا التي كانت مشهورة بعدة أماكن مخصصة للزراعة في أوقات الخصب وهي (جماح) و(كيد) و(وادي قريات) وكل هذه المناطق تم تخطيطها من قبل وزارة الإسكان وتم توزيعها منذ سنوات، وانتهى شيء اسمه الزراعة فيها.

كما أن التصريح ببناء المساكن في اﻻراضي التي تروى بالافلاج والذي ينص على أنه يسمح ببناء وحدة سكنية لكل مقدار معين يتم التحايل عليه بكل سهولة، وإنني أؤكد لك أنَّ الأفلاج العمانية التي سأمنا من التشدق بها إعلاميا وتراثيا لم تعد تروِ نصف ما كانت ترويه سابقا، لقد تم تحويل كثير من أراضيها إلى بنايات، وإن استمر الوضع على ما هو عليه الآن فسيأتي خلال بعض سنوات وﻻ تجد لمياه الفلج مكانا سوى أن يوجه نحو الوادي ليصب فيه، وخذ على ذلك مثال فلج دارس المشهور فلو لاحظت الصور الجوية التي التقطت قبل بضع سنوات للأراضي التي كان يسقيها فلج دارس والأراضي التي يسقيها حاليا لتبين لك حجم المستقبل الخطير الذي ينتظره وهكذا بقية الأفلاج، والحق يقال وأنا أكررها دائما أن هناك حربا على الزراعة، وإﻻ فما معنى أنَّ العمود الحقيقي للزراعة -وهو المياه- بيد وزارة أخرى، والأرض بيد وزارة ثانية، وقد تمَّ وقف توزيع الأراضي الزراعية سنوات طويلة، وأخيرا نال بعض الذين تقدموا بطلبات أراض زراعية منذ الثمانينيات، لكن ويا للعجب ﻻ يُسمح بحفر بئر فيها، وﻻ عجب فنحن في زمن العجائب، ومن أدلة أنَّ الزراعة تحاصر وتحارب أنه ﻻ يُسمح بتعميق بئر إﻻ بتصريح، وﻻ يسمح باستخدام بئر غير عاملة وهكذا من القوانين العجيبة التي تحاصر الزراعة وتخنقها بدعوى المحافظة على المياه وهكذا قضايا كثيرة. وعودٌ على بدء، فإنه ما لم يصدر عاجلا قانون صارم يجرم تحويل الأراضي الزراعية، فإن المأساة سوف تستمر وبوتيرة عالية وستخسر الأجيال القادمة ثروة ﻻ تقدر بثمن.

وفي الأخير.. أختم بخاتمة تُحمِّلنا جميعا -خاصة أصحاب الأقلام- مسؤولية كبيرة بقوله "أنت صحفي وبيدك القلم، قد تستطيع فعل شيء يوقف هذا النزيف؛ فلربما تصل كلمة إلى مسؤول يغار على بلده ويحرك ساكنا، وبارك الله فيك وفي أمثالك"، وبعد حديثه الجميل والشائق أقف عاجزا عن المزيد لأقول: دمتم ودامت عمان بخير.

Khalid1330@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك