المدارس الخاصة.. و"الرقابة الرخوَة"!

إضاءة

مسعود الحمداني

يبدو أن ملف المدارس الخاصة يجب أن يُفتح، فخلف جدران تلك المدارس يقع الكثير من الأمور التي قد تجهلها أو تتجاهلها وزارة التربية والتعليم، أو تلك التي لا يرى بعض المسؤولين فيها بأسا على الأجيال؛ فبعض "تجار التعليم" يعتقدون أن ذلك يأتي من باب تشجيع الاستثمار في التعليم، وهو ضريبة الانفتاح على العولمة!

وهذا كلام صحيح في جزئه (البراجماتي)، ولكنه منافٍ للمجتمع في جزئه السلوكي والقيَمي الذي تحرص المجتمعات العريقة على ترسيخه في نفوس أجيالها، وتعمل جاهدة على أن لا يصل إليها (سرطان) الانقلاب الأخلاقي، من خلال ضرب أهم مرتكزاتها، وهم البذرة الأولى من الأطفال، والشباب.

فهذه المدارس العالمية قد تُمثِّل مرحلة ضرورية للارتقاء بالجانب التعليمي المختلف وغير النمطي، ولكن بعضها يمارس نتاجا فكريا وسلوكيا لا يحتمله المجتمع العماني المحافظ، حيث يقوم بعضها بالتطبيق الحرفيّ للأنشطة والبرامج التي تمارسها المدارس الأم المرتبطة معها في بريطانيا أو أستراليا أو الولايات المتحدة وغيرها دون نظر إلى خصوصية المجتمع العماني وهويّته، في محاولة منها لكسر الطوق المجتمعي بزرع أفكار بديلة تستطيع قيادة مجتمعٍ محافظٍ في المستقبل بأيدلوجيةٍ غربيةٍ بحتة، وهذه استراتيجية خطيرة بعيدة المدى، لعبت دورا بارزا في مجتمعات عربية كثيرة، انسلخ منها جيلٌ تخرّج من مثل هذه المدارس مزود بالعلم، ومفرّغ من قيمه الاجتماعية.

... إنَّ أغرب ما يمكن تخيّله هو أنّ هذه المدارس الخاصة العالمية تقوم بعمل أنشطة وبرامج وفعاليات لا علم لوزارة التربية والتعليم بها! وهذا أمر غير مقبول في وزارةٍ يُفترض أن تعلم بكل شاردة وواردة في المدارس التي تشرف عليها، وأن يكون على طاولة مسؤوليها جدول تفصيلي توصيفي واضح قبل بدء العام الدراسي لكل نشاط تقوم به جميع هذه المدارس، تقرأه بتمعن، وتستبعد بعين الحريص على الأخلاق والسلوكيات المجتمعية تلك الأنشطة التي لا تلائم طبيعة وشخصية المجتمع العماني وعاداته وتقاليده.

... إنَّ بعض الأنشطة التي تقوم بها هذه المدارس تبدو في ظاهرها أنشطة بريئة ومسليّة للأطفال، ولكنها في الواقع تقوم بدور كبير في تهيئة عقول الطلاب لما هو أكبر وأبعد، بل إنَّ ذلك قد يتعدى هذا الدور البسيط إلى دور (تبشيريّ) خفيّ يجب مراقبته بدقة من قبل المسؤولين، ومن بين هذه الأنشطة على سبيل المثال لا الحصر: الاحتفال بـ(يوم الهالوين)، ونشاط (يوم المبيت) حيث يقوم -من يرغب- من الطلاب والطالبات بالمبيت خارج المنزل! وغير ذلك من أنشطة وبرامج نعلم بعضها ونجهل أكثرها.

أعتقد أنَّ الأوان قد حان لدق ناقوس الخطر في وجه تلك المدارس، ومراقبة أدائها، وأنشطتها، وبرامجها السنوية لكي لا تشطح بعيدا عن الدور التعليمي والتربوي المرسوم لها، والذي يأمله أولياء الأمور الذين يتكبدون الآف الريالات سنويا في سبيل أن يحصل أبناؤهم على تعليمٍ متميّز، ولكنهم يغفلون -في زحمة التفوق النظري- أنَّ هناك قيما جديدة تُغرس في نفوس أطفالهم، قد تؤثر على نمط سلوكي اجتماعي عام في المستقبل.

ورغم كل التقدير لجهود وزارة التربية والتعليم في الإشراف على المدارس العالمية، وتفاعلها مع مقال الأحد الماضي "يوم البيجامة في المدارس الخاصة"، إلا أنَّ دورها يجب أن يتعدى مبدأ "الرقابة الرخوة" أو غير الصارمة إلى رقابة ميدانية لصيقة وأكثر حزماً، وحرصا، حتى لا نفقد أبناءنا في زحمة سباقنا المحموم نحو البحث عن تعليمٍ أفضل لهم، على حساب قيمٍ بديلةٍ أسوأ مما نتخيّل.

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك