الاستثمار الأعمى

حقيبة ورق

حمود الطوقي



بالأمس كنت ضيفًا على إحدى المنتديات "الواتسابية" حيث تركّز الحوار وعلى مدار ساعة كاملة لمناقشة التأثيرات الاقتصادية جراء العمالة السائبة، وما هي التحديات التي تواجه قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهل استطاع رواد الأعمال إثبات قدراتهم بعد إنشاء الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة "ريادة" وصندوق الرفد، كان الحوار شيّقا وكانت أيضًا المداخلات واقعيّة، وتشخّص حجم المشكلة وأيضا تطرح الحلول، وبعد هذا الحوار اتصل بي أحد الأصدقاء من ضمن المجوعة الذي كان يتابع الحوار والمداخلات دون أن يدلي بدلوه في هذا النقاش، وطلب مني أن أزوره في مكتبه لتوضيح بعض النقاط التي لم يسعفه الوقت لطرحها أثناء النقاش؛ حتى يتسنى لي أن أقف على مجريات العمل في مؤسسته الصغيرة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه هذه الفئة من الشباب العماني الطموح. لمست من الوهلة الأولى من زيارته أنه غير منظم في إدارة المؤسسة، وأنّه لا يثق في أحد، ويتطلب منه ذلك أن يعمل كل شيء بنفسه خوفا من أن يقع في الفخ وتحت رحمة المدير الوافد كما اطلق عليه. اعرف هذا الصديق منذ فترة وقد لامست أنّ نشاطه كما هو لم يتغيّر، فهو يرتضي بالقليل إلا أن طموحه أكبر بكثير وتطلعاته المستقبلية تبشر له بمستقبل كبير في عالم الاستثمار والمال.

سألته عن إنجازاته خلال السبع سنوات الماضية، ومتى يمكن أن يشار إليه كواحد من هوامير المال والأعمال؟ إلا أنه فاجأني أنّ شركته تحقق خسائر سنة بعد سنة وأنّ عمله ومشاريعه تمضي ببطء شديد، وبدأ هذا الصديق يطلق مجموعة من الاتهامات، ويلقي اللعنة على هؤلاء الوافدين الذين ينافسونه، ولم يتركوا له ولزملائه من الشباب العماني أيّة مساحة يتحركون فيها، فهؤلاء الأجانب يزاحمونه في رزقه وينافسونه في لقمة عيشه ويتحدث هنا عن العمالة السائبة والتجارة المستترة..

لأوّل مرة أرى هذا الصديق الطموح يتحدث وهو منهار، تحدث كثيرًا وانتقد كثيرًا ولم يترك لي مجالا للحديث، قاطعته بعد أن أرهق أذناي من كلامه المتكرر، وقلت له مازحا: يبدو أنّ العيب فيك يا صديقي وليس في الشركة، ربما الأسلوب الذي تنتهجه في إدارتك للمؤسسة خاطئة، وربما أيضا تعمل من غير خطط مدروسة، فحسب علمي أنّ المشاريع الناجحة لابد أن تقترن بدراسات الجدوى الاقتصادية، وربما سبب فشلك أيضًا هو عدم وجود إدارة سليمة من قبلكم، وهناك عوامل كثيرة قد تقودنا إلى أن نصل إلى مراحل الفشل إذا لم نستفد من أخطائنا، فالتغيير مطلوب، ويجب أن تغير مسارك في الإدارة حتى تحقق النجاح لشركتك وتكبر لتصبح من الشركات الرائدة. قلت له: أتابع عن قرب نجاحات الشباب العماني فقد استطاعوا خلال فترة بسيطة أن يحققو إنجازات وفازوا في مسابقات وهم الآن يطرقون باب منافسة الشركات الكبيرة..

أدركت وأنا اتحدث مع هذا الصديق أنّ الأسلوب الذي ينتهجه يحتاج إلى التوجيه والاستفادة من برامج الدعم التي تقدمها ريادة، وأدركت أيضا أنّ سبب فشله في إدارة المؤسسة هو وجود منافسة من قبل الوافدين الذين يملكون حق ممارسة التجارة بحجة أنّهم مستثمرين ويحصلون على مميزات مثل ما يحصل عليها المواطن. وأدركت أيضا أنّ هذه المشكلة لابد وأن تجد لها حلا وهو إلغاء القرار بالسماح للوافدين بأن يتحولوا إلى مستثمرين مقابل إيداع مبلغ مالي في البنك كضمان.

حقيقة الأمر إن هناك أمورا يجب أن تعالج بشأن تمكين الشباب العماني لقيادة المؤسسات الاقتصادية بكفاءة واقتدار.

ذكرني هذا الصديق بقصّة جميلة قرأتها في إحدى الكتب وأحفظها عن ظهر القلب والقصة مفادها أن رجلا أعمى جلس على إحدى عتبات عمارة واضعا قبعته بين قدميه وبجانبه لوحة مكتوب عليها أنا أعمى أرجوكم "ساعدوني" فمر عليه رجل ووقف ليرى أنّ قبعته لا تحوي سوى قروش قليلة فإضاف هذا الرجل دون أن يستأذن الأعمى عبارة جديدة في لوحته وأعادها مكانها ومضى في طريقه ولاحظ الأعمى أنّ قبعته قد امتلأت بالقروش والأوراق النقدية، فعرف أنّ شيئاً قد تغيّر وأدرك أنّ ما سمعه من الكتابة هو ذلك التغيير، فسأل أحد المارة عمّا هو مكتوب عليها فكانت العبارة الجديدة " نحن في فصل الربيع لكنني لا أستطيع رؤية جماله" فبسبب هذه العبارة استفاد هذا الأعمى وحقق مكاسب جديدة.

هذه القصة رغم بساطتها تعلمنا عبرة وهي مهمة لو تأملنا في مضمونها.. يجب أن نغيّر وسائلنا عندما لا تسير الأمور كما يجب.



تعليق عبر الفيس بوك