جريمة الاعتداء على سهل الباطنة

خالد بن علي الخوالدي

تتعدد الجرائم وتتنوع وتختلف من زمان إلى زمان، ويتفنن البشر في اختراع أساليب حديثة وجديدة لارتكاب جرائمهم وبعضهم يعتمد على دراسة القانون لمعرفة الثغرات التي تتيح له استغلال هذا القانون لصالحه، ولتحقيق غاياته وتطلعاته ويرتكب جرائمه حسب القانون وبعضهم يرتكب جريمته بذكاء والبعض بغباء منقطع النظير.

إنّ أخطر الجرائم على الإطلاق ما يرتكب في حق الدولة والشعب وما يهلك الحرث والنسل ويحرم البشرية من خير وبركة ورزق الله الذي قسمه في هذه المعمورة. ومن أخطر الجرائم التي ارتكبت معنا في السلطنة هي جريمة الاعتداء على سهل الباطنة الذي يعد سلة عمان الغذائية قديما، وهو السهل الذي كان ولا يزال بإمكانه أن يحقق الأمن الغذائي للبلد للجيل الحالي والأجيال المستقبلية، وأقول وأنا مسؤول عن كلامي إنه ترتكب في حقه جرائم يومية وهي من أشد أنواع الجرائم التي ترتكب من وجهة نظري المتواضعة، ويشترك معي فيها كثيرون ممن يغاروا على مقدرات وخيرات هذا البلد الغالي الذي عِيث فيه فسادًا نتيجة القرارات التعسفية وغير المدروسة والعاطفية أحيانا.

وإلا ماذا يمكن أن نسمي تحويل الأراضي الزراعية الخصبة بمحافظة شمال الباطنة ذات المياه العذبة المتوفرة طوال العام (وأقصد المزارع غرب الشارع العام) إلى أراض سكنية وتجارية وصناعية أليست جريمة في حق الوطن، واعتصر ألما عندما أرى الاجتماعات والندوات والمحاضرات التي تعقد من أجل الأمن الغذائي بينما أراضي سهل الباطنة الزراعي توزع يوميا كمخططات سكنية وصناعية وتجارية بشكل عشوائي مما يشكل جريمة لابد أن نقف عندها جميعا ونعاقب كل من تسبب فيها فالأمر لا يتعدى قرارات عاطفية لا تؤدي في النهاية إلا إلى دمار شامل لهذا السهل الخصب، الذي يجب أن يكون سلة عمان الغذائية لعمان ودول الخليج فقديما كان ينتج من هذا السهل (الليمون - المانجو- التمور بأنواعها وأشكالها- والأعلاف الحيوانية بمختلف مسمياتها وعدد كبير من الخضروات كالفجل والبصل والثوم والجزر والبطاطا والخيار وغيرها كالقمح والطماطم والفرصاد والتوت) ورأيت بأم عيني أن (الرمان-والتين- والجوافة) تنمو في بعض المزارع دون زراعة واهتمام وحديثا رأيت (البرتقال -الفراولة- والمندرين (الصنطرة)- الجح- الشمام وغيرها من الفواكه والخضروات التي تنمو وتنتج بشكل تجاري، وسيزيد هذا الإنتاج إذا ما وجدت البيئة المناسبة من الاهتمام والرعاية خاصة وأننا نشهد طفرة كبيرة في الأساليب العلمية الحديثة في الإنتاج الزراعي.

ومع إيماني بحق المواطن في إيجاد المكان الملائم للسكن إلا أن هذا الأمر تمت معالجته بصورة عشوائية، حيث وزعت أراض بمخططات سكنية تكفي لسكن أهالي ولاية كاملة فإذا افترضنا وجود مخطط في ولاية معينة به (5000) قطعة أرض وافترضنا أن عدد متوسط الأسرة العمانية (5) أشخاص وضربنا (5000×5) فإنّ الناتج سيكون (25000) خمسة وعشرين ألف أي يمكن أن يسكن بها هذا العدد وهو عدد كبير على ولاية من ولاياتنا لأن أكثر الناس أصلا مستقرين في منازلهم منذ سنوات، ولو تصرف في هذه الأراضي بمبدأ الحاجة والرغبة لما احتجنا لتوزيع هذا الكم الهائل من الأراضي ولتقلص الدور وارتاحت الإسكان من عوار الرأس، ورأينا مخططات تتوفر بها كل الخدمات من طرق وإنارة وصرف صحي ومياه وغيرها وقل السماسرة وأصحاب الشنط وارتاح الجميع؛ فما يحصل الآن هو ظلم وجريمة في حق الوطن حيث توزع الأراضي في مخططات كثيرة، وتُبنى في كل مخطط بيوت قليلة لا تتعدى أصابع اليد ويطلبون كل الخدمات التي لن تتحقق في ظل الفوضى ولو بعد سنين طويلة.

إنّ الجريمة المتحققة يمكن معالجتها بل يجب معالجتها فورا بوقف توزيع الأراضي الزراعية والسكنية والتجارية والصناعية إلا وفق شروط وضوابط أهمها الرغبة الحقيقية في البناء والتعمير لا أن توزع الأراضي جزافا لمن هبّ ودبّ بلا رقيب ولا حسيب فهذه الأراضي الزراعية هي ملك للشعب بأكمله وهي حق وطني للانتفاع بها في تحقيق الأمن الغذائي المستقبلي لأبناء هذا الوطن وليس من حق أي واحد مهما علت مسؤوليته في هذا البلد أن يتصرف بها كيفما شاء كأنها إقطاعيات مملوكة له، وما أحدثه المسؤولون السابقون من تقصير في هذا الجانب لابد أن يحاسبوا عليه ولا يترك غيرهم يدمر أي أرض زراعية أخرى في مختلف بقاع عمان، وإلا سنندم ندما نشرب معه ويلات الحسرة والألم، كما على الجهة المسؤولة متابعة المزارعين وحثّهم على الاهتمام بمزارعهم وإبعاد العمالة الوافدة التي استأجرت مزارع وعاثت بها تخريبا وفسادا، وضرورة عودة مراكز التسويق الزراعي لتشجيع المزارع على بيع منتجه وغيرها من الحلول، ودمتم ودامت عمان بخير.

 Khalid1330@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك