وزير الصحة أمام الشورى.. وتحديات الصحة الإقليمية

د.عبدالله باحجاج

هل يتوفر الرضا المجتمعي للخدمة الصحية الإقليميّة في المحافظات؟ التساؤل يفتح ملف الصحة الإقليمية في بلادنا قبل يوم واحد من استضافة مجلس الشورى معالي الدكتور وزير الصحة، والرضا يتعلق بالطمأنينة للخدمة من حيث نوعيتها وكميتها في آن واحد، وكذلك من حيث الحصول عليها في الوقت المناسب، ووفق إمكانيّة المواطنين المتاحة، ويزداد التساؤل سالف الذكر إلحاحا كلما ذهبنا بعيدًا عن الخدمات الصحيّة الراقية والمتكاملة التي تتمركز في العاصمة مسقط، باتجاه الجزء الجنوبي، محافظة ظفار، وكذلك أقصى الشمال من البلاد، محافظة مسندم، لماذا؟ للأسباب التي أصبحت معلومة بالضرورة للكل، ونتوقع أن تشغل هذه القضية مناقشات الشورى لوزير الصحة بعد انكشافات الواقع الصحي الإقليمي/ المناطقي في ظل قضية تأجيل/ تأخير المشاريع الصحية كالمستشفيات منذ عدة سنوات رغم المطالبات الاجتماعية بها منذ عقود. فمثلا لو نظرنا لقضية المستشفى الجديد في محافظة ظفار، فسوف نجد هناك توجيهات سامية بإقامته منذ عام 2009، ووصل التطور إلى إرساء المناقصة عام 2015، ومع ذلك لم ينفذ حتى الآن رغم أنّ الوزارة قد هدمت المباني التي سوف يقام على أراضيها المستشفى الجديد، واستأجرت منشآت جديدة لموظفيها بآلاف الريالات، وقضية التأجيلات/ التأخيرات قد أصبحت سمة بارزة للمشاريع الحكومية المعلنة وبما فيها الصحية، فهناك مستشفيات يفترض أن تقام في المحافظات لدواعيها المتعددة كمستشفى في ضلكوت.. إلخ وهذه القضية ليست وليدة اليوم، وإنما قديمة ومنذ العصر الذهبي للنفط، ربما بسبب المناطقية القائمة على معيار السكان وحصتهم من الصحة، وهذا النهج لم يعد صالحًا إذ ما زال قائمًا، لأنّه يتجاهل اعتبارات وحمولات كثيرة، مثل وضع ولايات ظفار كضلكوت وثمريت مثلا، فالحاجة إلى إقامة مستشفى في الأولى قد أصبحت مسألة عاجلة لتخفيف الضغط القوي جدا على الخدمات الصحية في ولاية صلالة، فالخدمات في حاضرة ظفار لم تعد مطلبا للمواطنين في ولاياتنا الغربية فقط وإنما كذلك الأشقاء اليمينين الذين يعج بهم مستشفى السلطان قابوس بصلالة القديم، كما البعد الإنساني له اعتداده الأكبر هنا، فتحويل المرضى من المراكز الصحية برا إلى مستشفى السلطان قابوس بصلالة عبر طريق جبلي معقد جدًا، وبه التواءات وانحناءات لا حصر لها، وبمسافة (198كلم) يؤزم الوضع الصحي للمرضى، ويزيد من معاناهم النفسيّة، والحال نفسه بالنسبة لثمريت التي تتخذ مكانها عند مفترق الطرق الرئيسية التي تربط محافظة ظفار مع محافظات السلطنة الأخرى، وهي قلب الولايات الصحراوية، وقريبة من حقول النفط، وفي الخريف تتوقف حركة الناقلات العملاقة عن الذهاب لصلالة بسبب الأمطار والضباب... إلخ ويستصعب السير الاعتيادي لبقية المركبات.. ولنا أن نتصور حجم المعاناة في نقل المرضى في ظل تلك الأجواء.. واستشهادنا بتلك الولايتين فقط، ما هو إلا لدواعي الاستدلال، علما بأنّ بقيّة الولايات الأخرى في ظفار، وقد نجد ما يماثلها في بعض المحافظات الأخرى، لا تتوفر كذلك على مستشفيات وإنّما مراكز صحية تفتقر للكثير من المقومات الصحيّة رغم حمولة العديد منها الجغرافيّة والديموغرافية والاقتصادية والسياحية.. هذه رؤية للقضية التي سوف تشعل النقاشات البرلمانية مع وزير الصحة، وكل المؤشرات تشير إلى طغيان المطالب الجهوية على الإقليمية/ المحافظات فوراءها سيكون ضغط برلماني مخول من مجتمعاته المحلية، لأنّ الحق في الرعاية الصحية المناسبة، والحق في الاطمئنان على الصحة لم يعد ينظر إليهما من منظور الاستحقاق المركزي وإنما اللامركزي، وليس على مستوى المحافظات فقط، وإنّما كذلك على مستوى الولايات، لمساحة البلاد المترامية الأطراف وجغرافيتها وتضاريسها المعقدة، ولانتشار الكثير من الأمراض المستعصية والمقلقة، وتلك الجغرافية ومميزاتها في ظل الثقل الديموغرافي، قد أصبح يستصعب على الديموغرافيات الإقليمية/ المحافظات، والجهوية/ الولايات، الحصول على ذلك الحقين في الوقت المناسب مع يستتبع ذلك من تداعيات صحية ومعاناة نفسية، من هنا نتوقع أن تتركز مناقشات الأعضاء مع وزير الصحة على واقع ومستقبل الصحة الإقليمية/ المحافظات، والجهوية/ الولايات رغم الأزمة المالية، ومن مجلس الشورى ووزارة الصحة البحث عن التمويل في ظل الواقع الممكن، فأين يمكن أن نجده؟ وقبل ذلك علينا أن نضبط أولا مسار واتجاهات المطالب البرلمانية حتى تكون منسجمة ومتناغمة مع الاتجاه العام المفترض لا الحالم، وحتى لا تتشتت المطالب في منحنيات لن تلتقى أبدًا، من هنا نرى أنّ مطالب كل محافظة ينبغي أن تكون وفق رؤية تكاملية تأخذ بعين الاعتبار مركز خدماتها ومن ثمّ امتدادها الترابي حسب الأولويات التي تمليها اعتبارات البعد والسكان وعوامل أخرى، فهل سيقدم أعضاء كل محافظة خارطة صحية متكاملة للخدمات الصحية لمحافظاتهم أم سيغرد كل واحد بمطالب ولاياتهم بمعزل عن الرؤية المتكاملة والقائمة على قاعدة الاعتماد المتبادل الذي يؤمن الخدمة السليمة ويخلق الطمأنينة بأقل السبل الممكنة؟ وهذا لن يتأتى إلا من خلال توفرها داخل مراكز المحافظات مع تجويد الخدمات الصحية في الولايات، وإذا ما ظللنا نعتمد على المالية العامة للدولة، فإنّ الحق في الرعاية السليمة والمتاحة، لن يتحقق في المحافظات، كما ستظل الولايات تفتقر للحد الأدنى منها، أي ستظل وضعها الحالي، والحل الممكن - كما يراه غيرنا - ضرورة إشراك الشركات الكبرى في المحافظات في دعم القطاع الصحي، وهذا جزء من مسؤوليتها الاجتماعية، فولاية مثل ثمريت مثلا، كان يفترض أن يتوفر فيها ليس أرقى المستشفيات بل تنقل نقلة حضارية كبرى لوجود شركات ومصالح اقتصادية وأخرى عالمية، فإين مسؤوليتها الاجتماعية تجاه مجتمعاتها المحلية؟ لا يمكن أن تظل تبتلع خيراتها دون أن تنفتح على مجتمعاتها المحلية.. إذن تظل مسألة حمل الشركات بأية صيغة قانونية أو من خلال عقد اجتماعي معها، قضية لابد أن تفتح بمباركة من الدولة فورا بصرف النظر عن وجود أزمة مالية من عدمها، فالكثير من التجاب التي اطلعنا عليها في دول أخرى، تؤسس الشركات جامعات ومستشفيات وجسور ومدارس لمجتمعاتها المحلية.. فلماذا الشركات في بلادنا المحلية والأجنبية عازفة عن مسؤوليتها الاجتماعية؟

أمّا بالنسبة لمستشفى السلطان قابوس بصلالة الجديد الذي به توجيهات سامية منذ عام 2009، فإنه قد أصبح فعلا كما يقال قضية الساعة الأولى، والكل يتطلع الآن إلى معالي الوزير لسماع الإعلان القريب جدًا لبداية العمل به، واختيار أفضل المقاولين لكي يختزل الزمن في أقل مدده بعد مرحلة انتظار طويلة مدتها ست سنوات منذ التوجيهات، وعدة عقود منذ مطالب المجتمع، ولأنّه قضيّة الساعة الأولى، فهو قد أصبحت حمولته وطنية بامتياز واقتصادية وسياحية بامتياز، ولأنّه كذلك يؤسس مبدأ التكاملية بين مؤسسات الدولة الصحية بامتياز، نستشف هذه الرؤية من خلال تجربة نجاح مركز القلب والرنين المغناطيسي في ولاية صلالة الذي عرف النور بعد أن أصبح هاجس الخوف من مرض القلب يتصاعد اجتماعيًا، ولا يتلقى مرضاه الخدمة إلا بعد حالة انتظار طويلة حتى يتم تحويلهم إلى مسقط، فهذا المركز يعد إنجازًا بحق يعكس مبدأ شمولية الخدمة الصحية وتكاملها داخل الوطن، ومدى الاستفادة منها لكل المواطنين، وهذا ما تجسد فعلا، تحويل بعض الحالات إلى هذا المركز تخفيفًا على مركز القلب بالمستشفى السلطاني، وهذا هو التكامل المستهدف عندما تتطور الخدمة الصحية وتتجود، وتكون عند استهدافات الرعاية المتقدمة الإقليمية وحالة الاطمئنان النفسي لها.

تعليق عبر الفيس بوك