انتهاكٌ لإنسانية طفلة...!

مدرين المكتوميَّة

التعاطي الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع "حادثة طفلة البريمي" لم يخلُ من إساءة لحقوق الطفل؛ إذ أسهم في خلق حالة من الإثارة والبلبلة على حساب مشاعر طفلة صغيرة لا تملك من أمرها شيئا، دون مراعاة للمشاعر وبانتهاك صريح لحرياتٍ وحقوقٍ إنسانيَّة.

فقيام أحدهم بتصوير مقطع فيديو لطفلة وهي تتعلق به، ونشره عبر مُختلف وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها طفلةً مفقودةً، وسيِّل الاتهامات الموجه للوالدين بقسوة القلب والإهمال، دون أي مراعاة لخصوصية الطفلة وذويها، جريمة لا بد أن يُعاقب عليها صاحب هذا المقطع. وفي رأيي أن هذا الخطأ ساهم فيه الجميع بلا استثناء، حتى بعض وسائل إعلامنا وقعت في هذا الفخ، رغم أن دورها التنويري يفرض عليها بالأساس إيصال المعلومة بكل شفافية ومصادقية وتقصٍّ للحقائق؛ باعتبارها أداة من أدوات حفظ الرأي العام من البلبلة والفتن.

... إنَّ انتشار صورة الطفلة وتداولها بهذا الشكل الذي عايناه مؤخرًا، بلا شك سيظل نقطة سوداء في حياة تلك الطفلة، وسيظل يلاحقها طيلة حياتها للأسف الشديد، وسيذكُره زملاؤها عندما تذهب إلى المدرسة؛ بل وقد يعايرها به أصحاب النفوس المريضة، وعندما تكبر قد تعيق هذه القصة أيَّ تقدم لها في حياتها العلمية والعملية بل والخاصة، وقد يصل الأمر إلى عدم قدرتها على الارتباط.. في حين أن الجادث لم يكن شيئا فريدًا بل على العكس فهو أمر وارد أن يحدث في أي مكان، وعُمان بالطبع ليست استثناءً من تلك الحوادث أو ما شابهها.

ولعلَّ دعوة شرطة عُمان السلطانية -على لسان المصدر الذي كشف ملابسات الحادث- بضرورة استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية تجنبا للشائعات وتناقل المعلومات المغلوطة، لتعتبر حجرًا يُمكن التأسيس عليه لبناء مرحلة جديدة بلا شائعات ولا مغالطات، أيًّا ما كان الموقف ومهما كانت الظروف.

خصوصا وأن المعلومات التي أفصحت عنها الشرطة، كانت على عكس التراهات التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية؛ إذ اتضح أن والدة الطفلة من جنسية خليجية (وليست عُمانية) أبقت ابنتها بعد أن دخلت السلطنة مع أحد المواطنين العُمانيين (الذي اتضح أنه لم يكن والدها) لإيوائها لفترة محدودة، لكنها غادرت البلاد على أمل أن تعود مرة أخرى لأخذ ابنتها. وبحسب بيان الشرطة حول الحادث، فإن المواطن الذي قام بإيواء الطفلة استقر به الرأي بتسليم الطفلة لمركز شرطة البريمي عن طريق إحدى المواطنات التي ادعت أنها عثرت عليها في الحديقة، نافيا أن يكون والد الطفلة عماني الجنسية.

... إنَّ تلك المعلومات التي تم الإفصاح عنها؛ لتلقم كل مروِّج ومتاجر بمشاعر الآخرين عبر استغلاله لتلك القضية (وما شابهها) حجرا في فمه، وتؤكد على ضرورة وأهمية -بل وإنسانية- احترام حرية وحقوق ومشاعر الآخرين، وعدم إيذائهم بـ"شيفرة الحدِّ السلبي" للعولمة الحديثة -إن صح التعبير؛ باعتبار التكنولوجيا سلاحا ذا حدِّين. إن تلك الحادثة بتفاصيلها لتبرز حاجتنا الملحة إلى قليل من التعقل قبل أن نذبح مزيدًا من الحريات والمشاعر بـ"سكين الشير".

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك