يحياوي يستعرض تجربة الجزائر في حفظ التاريخ الشفوي بمحاضرة بالجمعيّة العمانية للكتاب والأدباء

مسقط - الرؤية

استضافت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء أمس الأول بمقرها بمرتفعات المطار، الباحث الجزائري الدكتور جمال يحياوي، الذي قدم محاضرة بعنوان "التاريخ الشفوي مصدر من مصادر الكتابة التاريخية" وأدارها الدكتور علي الريامي. وقدم الدكتور يحياوي رؤيته الفكرية الأدبية حول التاريخ الشفوي كوسيلة للتأريخ، وعرض تجربة المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية بالجزائر في تسجيل التاريخ الشفوي.

وركّز المحاضر على عدة عناصر أهمها أهميّة التاريخ الشفوي في كتابة التاريخ، وآليات تدوين التاريخ الشفوي، متطرقا بالشرح المفصل إلى تجربة المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية بالجزائر.

وأشار الدكتور جمال يحياوي إلى أنّه عبر التاريخ ظلت الشهادات الشفوية المصدر الرئيسي لكتابة التاريخ، فأغلب المصادر التي نعرفها اليوم ونعتمدها كمصادر رئيسية للمعلومات كانت في الأصل روايات شفوية تمّ تسجيلها وتدوينها لاحًقا مثل الروايات القديمة عند اليونانيين، وحتى أسفار الأنجيل التي تمّ تدوينها على مدار 75 سنة، أصلها روايات شفوية، كما أنّ أهم المصادر التاريخ الإسلامي من كتا مروج الذهب للمسعودي، والكامل في التاريخ لابن الأثير، كلها اعتمدت على الرواية الشفوية. وأشار في حديثه إلى أنّ في العصر الحديث اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا التاريخ الشفوي لتدوين الكثير من الأحداث التاريخية وحذت حذوهما جنوب إفريقيا.

وتحدث عن الآليات التي يجب اعتمادها لتدوين التاريخ الشفوي التقيّد بها ومنها اختيار فريق العمل من الكوادر المؤهلة للقيام بالمهمة سواء تعلق الأمر بالمختصين في التاريخ أو المكلفين بعملية الاستجواب والذين يشترط فيهم الإلمام بموضوع الاستجواب وبالظروف المحيطة، وبشخصية صاحب الرواية ومساره ومكانته بالنسبة لموضوع الشهادة الشفوية، ومن بين الآليات تحديد المواضيع التي تكون محل تسجيل الرواية الشفوية من طرف المختصين من الأكاديميين.

وعن تجربة المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية بالجزائر، الذي كان الدكتور يحياوي مديرًا له لمدة 13 سنة، قال إنّ اللجوء إلى التاريخ المروي كان ضرورة حتمية فرضتها السياسة الاستعماريّة التي حاولت خلال 130 سنة القضاء على الهوية الجزائرية بمختلف الوسائل ومن بينها إتلاف كل التراث المكتوب والوثائق التي وجدتها في الجزائر للتغطية على جرائمها المرتكبة في حق الجزائريين وعليه بعد الاستقلال تمّ التركيز على التاريخ المروي أو الشفوي لتعويض غياب الوثائق والأرشيف، ولأجل هذا تمّ اعتماد خطة علمية لتسجيل التاريخ الشفوي من أفواه صانعي الحدث تتلخص في تحديد المواضيع من طرف المجلس العلمي للمركز والمتكوّن من خيرة الباحثين الجامعيين واختيار الشهود والرواة المراد تسجيل رواياتهم وشهاداتهم وانتقاء فريق العمل الذي سيتكفل بعملية تسجيل الرواية الشفوية، من محتصين في التاريخ، وصحفيين مختصين في الحوار، وتقنيين.

وانتقل ليوضح عملية تسجيل الرواية الشفوية والتي تمر بمراحل تبدأ بالأسئلة العامة لوضع المستجوب في الإطار العام ثمّ الانتقال إلى الأسئلة الموضوعاتيّة لتحريك ذاكرة الراوي، بعدها يتم الانتقال إلى الأسئلة الجزئية انطلاقا من إجابات الراوي أو الشاهد. وأوضح أنّ عملية الاستغلال التي تبدأ بمرحلة الحفظ ووضع نسخة في أصلية في أماكن مهيأة، ثمّ تتم عملية تفريغ الشهادات أي تصفيفها وتحويلها من رواية مرئية مسموعة إلى نص مكتوب، ثمّ وضعها قيد الاستغلال بتمكين الباحثين من هذه الروايات الشفوية لكن بعد مراجعتها وتمحيصها من طرف المختصين الأكاديميين للتمييز بين المذكرات الشخصية والرواية الشفويّة، وهناك الكثير من الروايات التي تصنف في خانة لا يسمح الاطلاع عليها في الوقت الراهن، لمعطيات مختلفة تتعلق بمصالح الأفراد. وأكد الدكتور يحياوي أنّ هناك الكثير من الروايات الشفية حول مواضيع محددة صدرت بعد معالجتها في كتب مطبوعة، وبعضها تمّ استغلاله من طرف المبدعين سواء في شكل إبداع أدبي، شعر، مسرح، أو أفلام سينمائية. واختتمت المحاضرة بفتح باب النقاش وطرح الحاضرون أسئلة تتعلق بكيفية استغلال التاريخ الشفوي والتأكد من صحة المعلومات.

تعليق عبر الفيس بوك