اجتماع الدَّوحة واستعراض العضلات

سلطان الخروصي

يُقال: "من لم يتعلم من التاريخ يؤدبه الزمن" يبدو أن الساحة العربية وما جاورها على موعد من سعير فيما ستؤول إليه المرحلة المقبلة في ظل الفشل المخيب لاجتماع الدوحة بالدول المنتجة للنفط وعلى رأسها أوبك، ويبدو أن الصراع السياسي - حسب الظاهر- أضحى جليّا بين الفيلقين السعودي ولفيف من بعض دول المجلس والدول الإسلامية وبين الفيلق الإيراني المدعوم من روسيا وبعض الحلفاء المقربين جدا بما تقدم إيران من قفزات سياسية واقتصادية وعسكرية بُعيد رفع الحظر الدولي عنها، والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة: ما هو السيناريو المحتمل بعد فشل اجتماع الدوحة؟ ثم لماذا فشل هذا اللقاء الذي عُقدت عليه آمال كثيرة لعلاج جراحات أسعار النفط بعد أن شُلَّت اقتصاديات ورفاهية شعوب كثير من دول العالم؛ وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي والتي لا تنتج إلا النفط فقط؟!

دعونا نرجع للمربع الأول حينما بدأت تتشكل ملامح التحالفات السياسية والعسكرية إبّان اندلاع الثورة السورية في ظرفية جعلت لإيران - وهي الدولة الصاعدة وبقوة- أن تتقلَّد زمام الحكم بمفاصل الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية بالعراق وسوريا وجنوب لبنان وتعبث بأمن اليمن وزعزعت النسيج الاجتماعي والثقافي البحريني ناهيك عن بث روح العدائية الشرسة تجاه دول المجلس وعلى رأسها السعودية - على حد تعبير البعض- وأمام كل هذه الحيثيات المتسارعة وجدت إيران تحالفا حقيقيا وواقعيا في الساحة السورية عبر المقاتلات الروسية التي انتهجت سياسة الأرض المحروقة بامتياز، علاوة على أنّ الإشراف الإيراني في المناوشات السورية لم يقتصر على بعض الوحدات التابعة للحرس الثوري الإيراني بل كان إشرافا مباشرا من القيادة العسكرية العليا من خلال إرسال جنرالات وضباط وخبراء لهم ثقلهم في حسم الأمور، وتضييق الخناق على ما يعرف بالجيش الحر أو جبهات المقاومة ضد النظام، إلا أنّ كل ذلك كان يجري تحت ضوضاء الدعوة للوفاق الوطني والسلام، وتقريب وجهات النظر، وضرورة تحكيم صوت الحكمة عوضًا عن البارود والموت، وما ذلك إلا دليل قاطع على النضج الإيراني في التعامل مع المصالح العليا للجمهورية؛ أيًا كانت الدوافع سياسية أم مذهبية أم عرقية وقومية وكل ذلك كان ينقص يومًا من عمر بعض الدول العربية التي كانت ترى من نفسها صاحبة القرار السيادي.

لكن بالمقابل ما الذي قدّمه العرب وبالأخص الخليجيون بقيادة المملكة العربية السعودية في كل هذه المعمعة؟ هل تبنوا برنامجًا سياسيًا إصلاحيًا توافقيا يبني لمرحلة جديدة تسودها الثقة المتبادلة؟ هل تبنى "مليارديرية" العرب قرارات بالاستثمار في الشام والعراق نحو تطوير التعليم والصحة والبنية التحتية وخلق فرص وظيفية للمواطن السوري والعراقي واليمني تحدُّ من البطالة وصدأ العقول بالأفكار الشاذة الماجنة من سماسرة الدين أو الدنيا؟ هل عملت الحكومات المعنية بالملف اليمني - على سبيل المثال بحكم الجوار- على تقوية نسيجه الاجتماعي وبناء مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية للحدّ من تسوّل العقول وهجرة الشباب نحو مواطن الموت والضلال الذي تجذبهم إليه "داعش" وأخواتها؟ ثمّ أين هي اليد الطولى للعرب للحد من النزيف العراقي منذ عقد ونيف؟ وما هي المبادرات التوافقية والإصلاحيّة التي قدّمها الخليجيون بشكل خاص والعرب بشكل عام للقضية السورية منذ خمس سنوات وإلى الآن؟ وأخيرًا حينما يمتطي الجندي الخليجي جواده وكأنّه الفاتح العظيم هل تمت دراسة أدبياته ومرجعيته الثقافية والاجتماعية ومدى استيعابه للإنسانية والمواطنة والمسؤولية تجاه العمل الذي يقدم عليه أم أن الأمر لا يعدو سوى خذوه فغلّوه؟!

يبدوا أن الصراع السعودي- الإيراني في تصاعد مستمر، وأن المنطقة على كف عفريت تترقب استعراض عضلات من يُغرق السوق بالذهب الأسود بعد الفشل المخيب - كما نعته الرمحي وزير النفط العماني- لاجتماع الدوحة في سبيل من يسبق بقول "كش ملك" بين الطرفين "المتزاعلين"!، بالمقابل نجد أنّ أكثر المتضررين من هكذا تصرفات "ارتجالية" هم أهل الخليج؛ فلا يخفى على ذي بصيرة أنّ الرفاهية التي كان يتمتع بها المواطن الخليجي أضحت في مراحلها الأخيرة، كما أنّ الحكومات بدأت تضيق ذرعا بسياسة التقشف والتي من خلالها تسحب بساط العيش الرغيد من تحت أقدام المواطن الذي قد ينفجر عليها في أي لحظة، ثم هل البيت الخليجي قادر على مقارعة الاقتصاد الروسي المتين أو الإيراني الصاعد مع وجود ولاءات اقتصادية واجتماعية ومذهبية في عقر داره؟ وما هو سقف الفاتورة التي يمكن أن تتحمله الميزانية الخليجية في حروبها "غير المسؤولة" في ظل انتهاج الطرف الآخر سياسة حرب الاستنزاف؟

نحن لسنا بحاجة إلى فتح جبهات عراك وقتال تعيدنا للجاهلية الأولى، بل هو وقت التحالفات الدقيقة في سبيل أن نكون رقما اعتباريا في خارطة العالم، فلن يتجرع آلام الاستعراض الحربي ماليا واجتماعيا وثقافيا سوانا فلماذا لا نقرأ الأمور بروية ونحدد موقعنا بدقة؟ فإيران وإن اختلفت الآراء حولها هل هي صديق أم عدو إلا أنّها تعلمت من التاريخ في تحقيق مصالحها ودوافعها وحتى آلية انتقامها الموجع بصمت ظاهره السلام وباطنه الآلام وحق لها ذلك لأنّها باختصار تقول :"ها أنا ذا فأين أنتم"، نحن بحاجة إلى أن يلتم شمل مجلس التعاون الخليجي حول مصالحه العليا ومصالح العرب دون الولوج في رحم العنتريات الهُلامية، نحن نملك ما نريد لكن ينقصنا أن نفكر كيف نستثمر ذلك في البناء والتطوير الحضاري والسياسي والاقتصادي في العراق وبلاد الشام واليمن والبحرين ومصر وغيرها.

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك