مابين المعارضة والخيانة شعرة

علي بن مسعود المعشني

اتفق البشر على جملة من الأشياء لتيسير حياتهم وتنظيمها والارتقاء بها، وأصبحت تلك من المشتركات البشريّة والقواسم وإن لم يستفتوا فيها، كونها تواكب الفطرة الإنسانيّة السويّة ولاتصطدم معها ولا مع منطق الأمور، وسُميت بقواعد وأعراف وأسس ومبادئ عامة، فما أقرّه الناس واستحبوه من أنماط حياة ونُظم تعاون وتعاقبوا عليه دون أن يدونوه أصبح عُرفا، وما دوّنوه و وثّقوه بعد إقراره أصبح قانونا، وما اتفقوا على نفعه وضمنوه في بطون الكتب التعليمية أصبح علمًا، وما أقرّوه دون تدريسه أصبح معرفة.

مشكلتنا نحن في الوطن العربي اليوم بالتحديد أننا استوردنا الأدوات جاهزة ومعلبة من الخارج دون أن نستورد ثقافتها معها أو أن نهيئ لها الأرضية المناسبة للتطبيق ومن جملة تلك الأدوات كانت الحياة الحزبية والمعارضة والتجارب البرلمانية وغيرها من أنماط المشاركة في الحكم، وبما أن تلك الأمور تُعد من المسلمات البشرية والفطرية والتي تنمو مع الشعوب وأطوارها وتصبح من حاجاتها الضرورية في مراحل نضج ووعي بعينها، فقد سبب لنا غرسها القهري في مجتمعاتنا الكثير من الكوارث والمعضلات وتعطيل التنمية بكل أشكالها وشق صفوفنا وأوجدت ثقافة اللغو والتنابز بيننا والمزايدات دون أن يتساءل عاقل واحد عن جدوى الاستمرار بتلك التجارب واستيراد المزيد منها وفضيلة مراجعتها، وقبل كل ذلك سر إصرار الغرب على رعاية تلك الأمور والدعاة لها بعناية وسخاء كبيرين. فقد خلقنا مفاهيم سلبية موازية لتلك القيم البشرية، فالمعارضة في مفهومنا على الصعيد الفردي أو الجماعي يجب أن تكون خصمًا وعدوًا للحاكم والحكومة والوطن، ويجب أن تتحدث في أي شيء وتثير كل شيء دون ضوابط أو رقابة ذاتية، ويجب أن تختلف مع الحكومة وغيرها من المنافسين في كل شيء وعلى أي شيء، وأن تتجاسر على الثوابت والموروث بزعم التنوير وسنن التطور والحداثة. ولا يمانع البعض من أن يلجأ إلى الخارج ويكون أداة طيّعة بيد الأعداء بزعم التغيير والنضال فيتطوّع لتعرية بلده والتجاسر على ثوابته ومكوناته كحالات العراق وليبيا.

مشكلة أغلب النُخب في الوطن العربي أنّها لا تحمل أي صفة من صفات المفكر الاجتماعي كما هو الحال في الغرب، هذا المفكر اللصيق بقضايا مجتمعه والمدافع عن حقوق أبناء وطنه داخل إطار الوطن وثوابته، وقبل ذلك المفكر العارف بأطوار وحاجات مجتمعه، هذا المفكر الذي يمتثل في لحظة ما لكل نداءات الوطن ومصالحه العليا بروح مسؤولة عالية ويتخلّى عن كل قناعاته وعقائده الشخصية ليصبح جنديًا من العوام كي يعيش الوطن وتنجلي العواصف وتزول العوارض.

بينما نخبنا تتحين لحظات الضعف والانكسار لأوطانها ومجتمعاتها لتنقض عليها وتعمق جراحها فقط ليحيا نجمه ويستعيد بريقه ويغتنم الرياح والعواصف قبل سكونها.

في التعريف السياسي:

يعني مصطلح (المعارضة) في السياسة في الاستعمال الأكثر عمومية أن أيّة جماعة أو مجموعة أفراد يختلفون مع الحكومة - على أساس ثابت وطويل الأمد عادة - ولو أنّ المصطلح يمكن أن يصف المعارضة المتعلقة بالقضايا في إطار تشريع واحد أو اقتراح سياسة. ويطبق المصطلح على نحو أكثر تحديدًا على الأحزاب في المجلس النيابي التي تختلف مع الحكومة وترغب في الحلول محلها.

وغالبًا ما تمارس المعارضة في الإطار الشرعي وضمن المؤسسات الثابتة. ففي بريطانيا، يتيح التشريع الرسمي في الدولة للمعارضة ممارسة نشاطها بملء حريتها. غير أنّ المعارضة قد ترفض أحيانًا النظام السياسي القائم فتتمرد عليه مما يضفي عليها طابع التطرف. وخلاصة القول، تضم المعارضة الأشخاص والجماعات والأحزاب، التي تكون مناوئة، كليّا أو جزئيا، لسياسة الحكومة.

في السياسة مصطلح المعارضة مقترن بالأحزاب السياسية أو أي مجموعات أخرى تعارض حكومة، مجموعة سياسية أو حزب سواء في منطقة أو مدينة أو دولة. تختلف درجة المعارضة من بلد إلى آخر ومن نظام سياسي إلى آخر.

المعارض السياسي

هو شخص منتم لحزب سياسي أو تيار سياسي أو حتى صاحب رأي مستقل غير منتم لتيار ما، ويدّعى معارض لأنّه يعارض أسلوب أحزاب سياسية أخرى وعلى طريقة استخدامها للسلطة وينتهي دوره كمعارض عندما يمتلك حزبه زمام السلطة ليدعى حينها بالموالي أو السلطوي. ويكتفي المعارض بتوجيه المقالات والاعتراضات للأحزاب الأخرى حيث تمثل هذه المرحلة مرحلة من النضج الديموقراطي للمجتمعات- (ويكيبيديا).

من هنا يتضح لنا بأنّ المعارضة والمعارض هما الاعتراض على سياسات وبرامج لحكومة ما، وفي المقابل سيصبح المعارض والمعارضة ذات يوم في موقع الحكومة بالتداول على السلطة، هذه هي قواعد السلطة والمعارضة في التجربة الليبرالية الغربية وكما فرضتها ظروفهم وأملتها حاجاتهم وطور الدولة لديهم.

وبدون وجود هذا المناخ وهذه الأدوات بكامل شروطها الموضوعية المادية والقانونية والمعنوية والثقافية فلا يمكن أن نسمي المعارضة معارضة ولا المعارض معارضا بل منتحلي صفات وخارجين على الأعراف والقانون، تمامًا كما تُجرم القوانين في بريطانيا وأمريكا الانتماء للفكر الشيوعي رغم شعارات وتماثيل الحرية.. في إحدى اللقاءات التلفزيونية المنسوبة للأستاذ طارق عزيز وزير خارجية العراق الأسبق مع محطة بريطانية تمّ توجيه سؤال له وهو: كيف تتعاملون مع المعارضة العراقية في الخارج؟

فأجاب عزيز: العراق ليس له معارضة

فسأله المحاور: وهؤلاء الذين يعقدون المؤتمرات والندوات في لندن وبعض دول أوروبا وإيران!؟

فأجاب عزيز: هؤلاء ليسوا معارضة إنّهم مجاميع من اللصوص والعملاء لدول الجوار ولو تسنى لهم حكم العراق لنهبوا أمواله وباعوا أرضه - (إنتهى)

قبل اللقاء: " في عام 1944م وأثناء الحرب الأوروبية الثانية (العالمية) فرّ الجنرال الألماني جلوبز هويزنجر أحد كبار قادة سلاح المدرعات الألمان وعضو مؤسس للرايخ الثالث بسبب معارضته لهتلر، وطلب اللجوء السياسي في بريطانيا بعد التنسيق مع مخابراتها. وأثناء التحقيق معه لم يفصح بأية معلومات عسكرية عامة أو عن وحدته التي كان يقودها، كما رفض إعطاء أسماء القيادة الوسطى الألمانية أو العودة لألمانيا والعمل كعميل مزدوج، وأخيرًا رفض عرض الظهور في التلفزيون ليتحدث عن جرائم الجيش الألماني ويحرض الجنود الألمان على الانشقاق.

فقال له أحد المحققين البريطانيين بسخط واستياء: كيف تطلب منّا أن نعطيك لجوءا سياسيا ومنزلا في الريف الإنجليزي وأنت لم تُعطنا أي شيء مفيد مقابل ذلك!؟

مالذي يثبت لنا أنّك معارض لـ هتلر!؟ فرد جلوبز: أنتم لا تطلبون معارضًا لهتلر، أنتم تريدون خائنًا لوطنه وأنا لا يمكنني أن أكون خائنًا"..

وبالشكر تدوم النعم.

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك