فواجع الموت تنتقل لطريق مرباط

د.عبدالله باحجاج

كيف انتقلت فواجع الموت على الطرقات إلى طريق طاقة مرباط؟ شيء مؤلم جدا وحزين جدًا، أن نسمع خلال أسبوع واحد فقط وقوع ثلاثة حوادث مميتة، ضحاياها في ريعان شبابهم، شيء مؤسف وحزين جدًا، أن ينضم هذا الطريق إلى طرق الموت في بلادنا، وهو الطريق الوحيد الذي يستخدمه الآلاف من أبناء هذه الولاية التاريخية بامتياز والسياحيّة بامتياز على مدار الساعة، ليس أمامهم من خيار غيره، فمقر أعمالهم في صلالة، وأبرز خدماتهم الأساسية كالصحة في صلالة...إلخ كما أنّ مرباط قد تحولت في عطلة الأسبوع إلى منطقة جذب للأسر في صلالة لشواطئها الساحرة، وخلجانها الخلابة، ولجبالها الشاهقة ووديانها المتعددة البيئات.. هروبًا من ضجيج صلالة وضغوطات الحياة فيها، كما يستخدم هذا الطريق السياح والزوار لظفار، والسياحة الشتوية للأوربيين خير مثال الآن، ولا يمكن الوصول لأحدى الفنادق الكبيرة هناك إلا عن طريقه فقط.

طريق هكذا حمولته وأثقاله الكبيرة وأوزانه المتعددة لابد أن يشغل الرأي العام، حتى لو لم يكن سوى حمولته الاجتماعية لكفى بها اعتبارا، قد يستغني ساكنو صلالة وبقيّة الولايات عن الذهاب لمرباط حفاظًا على حياتهم، لكن، كيف يستغني أهل مرباط عن الذهاب لصلالة؟ لذلك ليس أمامهم سوى ذلك الطريق الذي يشكل الآن رعبًا مخيفًا لكل مرتاديه وخاصة بالليل، لكثرة التحويلات والمسارات والانحناءات الضيقة ولغياب الإنارة.. فكثرت فجأة حوادثه المميتة بفوارق زمنية قصيرة جدا، ففي يوم الجمعة الماضية، وقع حادث مروري على هذا الطريق أودي بحياة شابين، وقبله بأيام قليلة، حادث مماثل، توفي فيه شابان آخران، وقبله بنفس الفترة حادث آخر مميت أدّى إلى وفاة امرأة عربية مقيمة في بلادنا، والزج بزوجها الدكتور في العناية المركزة مع بقية إصابات تلك الحوادث، هذا غير الحوادث التي وقعت سابقا وفي الشهر نفسه، والمدهش في هذه الحوادث، النتيجة المروعة، حيث تتحول العربات إلى خردة يمكن أن تباع كقطع بالمفرد. هذه أسوأ نتيجة لتلك الحوادث على هذا الطريق، فلماذا لم تحرك هذه الحوادث الجهات المختصة بالطرقات؟ كل ما فعلته، خروجها أمس الأول ببيان منشور عبر التواصل الاجتماعي تذكرنا باستمرارية العمل في مشروع ازدواجية الطريق، وتدعونا إلى التقييد بالإرشادات واللوائح التحذيرية، وترجع أغلب الحوادث إلى السرعة الزائدة والتجاوز الخاطئ، وتدعو الجميع إلى الالتزام بالسرعة المتحددةـ وتتمنى لهم وصولا آمنا لوجهاتهم، هل هذا البيان في مستوى القضية المتصاعدة التي أزهقت تلك الأرواح؟ كان من المأمول منها ومن الجهات الأخرى صاحبة العلاقة، وعد المجتمع بسرعة إنجاز الازدواجيّة بعد هذه الحوادث، كان المأمول منها الإعراب عن الأسف الشديد لوقوع تلك الضحايا، كان المأمول منها وبقيّة الجهات الأخرى ذات العلاقة الإعلان عن تشكيل لجنة مكونة من الوزارة نفسها ومن الشرطة ومن مجلس الشورى والمجلس البلدي بمحافظة ظفار ومن فنيين.. لتقصي الحقائق، لتوضيح الأسباب والمسببات التي أدت إلى تلك الفواجع، والتوصية بحلول عاجلة حتى لا تكرر في أية لحظة، وهذه اللحظة واردة ليس بسبب السرعة الزائدة والتهور والتجاوزات وإنّما لوجود المسارات والاتجاهات الجديدة الضيقة، إننا من عشاق مرباط، وتكاد تكون زيارتنا لها في عطلة كل أسبوع تقريبا، وآخرها كان يوم الجمعة الماضية، ليلة آخر حوادثها المميتة، ونتفهم الشعور المرعب الذي ينتاب قائدي السيّارات على هذا الطريق خاصة بعد الساعة الواحدة، عشتها كحالة واقعة ببعديها المادي والنفسي، وكم كان شعورًا مخيفا ونحن نقود سيارتنا في تحويلات ومسارات ضيّقة جدًا بسبب أعمال الازدواجية، فأي غفلة في ثانية، سوف تنجم عنها أسوأ الحوادث - لا قدر الله - فأي غفلة في ثانية، لن تترك لسائق المركبة من خيار سوى الاصطدام الأمامي بالعربة المقابلة له، فالحواجز الأسمنتية على يمين السائقين تحول دون تفادي ذلك الاصطدام، وربما لضغوطات اللحظة نفسها لن تتيح الخيار الآخر، لكن وضع حواجز أسمنتية في تلك الاتجاهات يحد من الخيارات المتاحة للسائقين. وتحصرها في خيار الاصطدام الأمامي، وماذا يعني ذلك؟ يعني أنّ كل السائقين مستخدمي هذا الطريق ينبغي أن يكونوا جميعهم على درجة عالية من الدقة والانتباه على الطريق. وهذا في كثير من الأحيان لن يكون متوفرا للشباب الذين يواصلون نهارهم بليلهم على شواطئ وخلجان مرباط، من هنا، فالغفلات والشردات الذهنية واردة.. وخطورتها على تلك المسارات والاتجاهات الضيقة كبيرة، وإذا لم تحدث الفواجع عليها حتى الآن، فهى مشاريع فواجع - لا قدر الله - من هنا كذلك، فإنّ البيان المنشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يلامس القضية، ولا يقترب من مستقبل تداعياتها، ولا يكسب الرضا المجتمعي، والمدهش كذلك، ترفع خطابنا الديني والإعلامي عن هذه القضية الآنية، هل بسبب مركزية إعداده؟ إنّ المصلحة الوطنية تحتم ولادة الإعلام الإقليمي الملتزم بقضايا مجتمعاته المحلية في إطار الرؤية الوطنية الجامعة والشاملة.

والتساؤل الأهم هنا، هل تتوفر على تحويلات طريق طاقة مرباط ومساراته وانحناءاته وسائل السلامة المرورية؟ وهل الجهات المرورية قد أعطت موافقتها المسبقة عليها؟ من الأهمية تشكيل لجنة تقصي حقائق وطنية ومحلية مشتركة من كل المؤسسات المنتخبة والحكومية بصورة عاجلة لزوم الدراسة والاستقصاء الميداني، ولزوم حل مشكلة لا تزال قائمة وتهدد المزيد من الأرواح، وهذه اللجنة تكون مهمتها تقديم مرئيات آنية لتحسين وضع الطريق فورا، فالطريق له استخدامات كثيرة اجتماعية وسياحية واقتصادية. ومرئيات أخرى مستقبليّة ومتزامنة كتغليظ العقوبات في القوانين، وتفعيل الرقابة والخطاب الإعلامي والديني، وجعله من الأولويات، وربما على مجلس الشورى حمل مبادرة هذه اللجنة ولو لوحده أو بالتعاون مع المجلس البلدي لمحافظة ظفار، فهناك من الأسباب والمسببات الكثيرة التي تعد بمثابة مشاريع حوادث مروّعة على هذا الطريق غير أسباب السرعة والتهور.

تعليق عبر الفيس بوك