ولمقابلة الطفل.. ثمن أيضا!

محمد بن رضا اللواتي

ابتكرت بعض المدارس الخاصة، أو لنقل دشنت، منتجا "تعليميا" جديدا، وهو إجراء "المقابلة" مع الطفل المتقدم لأجل الحصول على المقعد في "الروضة" أو في "المرحلة التمهيدية"، مقابل ثمن لا يتم استرداده إطلاقا، سواء اجتاز المقابلة بنجاح أم لم يفعل، كما ولا يُخصم المبلغ من قيمة الدراسة في حالة اجتيازه المقابلة كذلك.

إنّه "ثمن مقابلة الطفل" لاجتياز مرحلة ما قبل "التعليم الأساسي"!

وبعيدًا عمّا إذا كان هذا باطلاع وموافقة وزارة التربية والتعليم أم لا، حيث يرى البعض أنّ هذا المنتج لا يمكن أن تقره وزارة "التربية"، في حين يرى آخرون أن المدارس الخاصة ليس لها أن تدشن منتجا أساسا ما لم تكن "التربية" قد اعتمدته.

أقول بعيدًا عن كل هذا، وسوف نعلق عليها آخر السطور، لنتعرّف أولا على المببرات التي تقف وراء هذه الخطوة، أعني تحديث مقابلات للأطفال بثمن، إنّهم يقولون:

1 -المنافسة على المقاعد شرسة للغاية، فلم لا يتم اختيار الطفل الأكثر استعدادًا للانخراط في منهج تعليمي متطور؟ الأطفال ليسوا سواسيّة من ناحية تقبلهم للنهج التعليمي وفي بقيّة مقدراتهم كذلك، والمقابلة غرضها اكتشاف الأفضل، وعلى أساسه يُمنح المقعد.

2 - الثمن يأتي مقابل الخدمة! التعليم في المدارس الخاصة له ثمن. وهذا أمر لا خلاف عليه. فالمقابلة الاجتيازية التي يستقطع الكادر التعليمي وقتًا له، فضلا عن جاهزيّته لمقابلة الطفل وما يترتب عليه من استعداد، هذا كله ألا يستحق أن يكون ثمن؟ هكذا تبرر تلك المدارس الخاصة لسلعتها في سوق التعليم. الخط المقابل يطرح رؤية مختلفة، يمكن صياغتها اختصارًا في التالي:

1- ما هو حجم الاستعداد الذي مرّ فيه الكادر التعليمي - فضلا عن عدده - حتى يكون على أتم الاستعداد لمقابلة "طفل"؟ أي منهج تربوي وتعليمي درسه قبل هذه المقابلة وعلى ضوئها أضحى مستعدا له؟ هل للمدرسة أن تكشف عنه وتشير إلى الجهة العلميّة العالمية المختصة التي مرّ كادرها المختص بمقابلة الأطفال من خلالها واجتازها ثم استعد تماما لهذه المقابلة؟

هل زود هذا الكادر الآباء بتقرير ولو من صفحة أو نصف صفحة عما وجده من مؤشرات التفوق والنجاح في الطفل المقبول؟ ومؤشرات الضعف مع مقترحات هذا الكادر لأجل تقوية الطفل بإزالة تلك النقاط عنه من خلال إرشادات تربوية وصفها له هذا الكادر؟ كلا، على الاطلاق!

2 - أليس نهج "التربية" ينبغي أن يكون غالبا على المدرسة، فتُقدم الأولويات التعليمية في إطار التربية الكاشفة عن حسن نوايا المدرسة التربوية بعيدا عن منطق السوق والبيع والشراء؟ أم أنّ التفكير في الثمن هو الذي ينبغي أن يكون دافعًا لابتكار منتجات لا علاقة لها بالتربية؟.

وإلا، فهل يختلف إثنان أنّ هذا النهج - نهج المطالبة بالدفع حتى في حالة عدم قبول الطفل، وحتى في حالة قبوله دون تلمس فكرة جعل الثمن هذا مخصومًا من قيمة الدراسة - تفوح منه روائح البيع والشراء وتكشف عن أولويات المدرسة التي تكمن في الثمن المادي قبل كل شيء؟

3- ألسنا بهذا، نقوم بتحفيز سوق التعليم إلى الاتجاه نحو ابتكار وسائل متنوعة للكسب المادي، وبالنحو الذي لم تشهده حتى بيئات التعليم العالي إذ لا تجري المقابلات - على الأقل ذات قيمة مادية يدفعها الطالب- مع الطلبة المتقدمين للالتحاق في الجامعات والكليات، في حين يشهد سوق التعليم ما قبل المدرسة عندنا هذا اللون من النهج؟

إننا إذن نتوقع أنّ قيمة التحاق الطفل في المدارس عن قريب ستتاخم قيمة الالتحاق في الكليات ربما، لأنّها حقيقة قد شارفت ذلك المستوى في بعض المدارس.

ولنتوقع إذن تدشين المصارف لمنتج جديد وهو "قرض لالحاق طفلك بمدرسة خاصة" تعقبه كلمات من قبيل "بفائدة ضئيلة" أو "بأقساط مريحة"، وربما نلهب حماسة شركات التأمين أيضا لابتكار منتج التأمين على حياة الطفل شاملا لمصاريف التعليم الخاص مقابل أقساط "مدى الحياة" ربما، ولكن "ميسرة"!

وسواء كان الحق مع الفريق المدشن لهذه السلعة، بابتكار مقابلات "لأطفال" قادمون توا من منازلهم، والذين بصدد وضع أولى خطواتهم الصغيرة في ميدان "التربية والتعليم"، فيجدون أنفسهم بأن أبواب "سمسم" ليست "مفتوحة" لهم إلا "بمقابلة"، والتي لن يجدوها تتكرر حتى بعد مرور 18 عامًا من عمرهم واستعدادهم للانخراط في الجامعات..

أم كان مع الفريق الذي يرى في هذا المنتج شكلا من أشكال الاستغلال المادي القبيح باعتباره أطلّ من نافذة مرحلة ما قبل تعليم "الطفل" بملامح واضحة للغاية تكشف عن سيلان اللعاب للثمن المادي فحسب تتمثل في شروط من قبيل "ثمن المقابلة لا يُسترد في جميع الأحوال"..

سواء كان الحق مع أولئك أم هؤلاء، إلا أنه من المؤكد جدا هنا، أن تكون لوزارة التربية والتعليم كلمة واضحة وفق اللوائح التربوية التي تنتهجها سياساتها التعليمية والتي ينبغي أن تكون متّسقة مع أرقى مناهج التعليم المتوافق مع طبيعة المجتمع العماني كذلك.

كلمة تبرر للفريق الأول رؤيتهم تلك وفق منطق مقبول، أو لا توافقهم عليه، وبالتالي توقف تطبيقه وفق رؤية واضحة المعالم أيضا، وعدم ترك الأمور تسبح في الغموض الرمادي لمنطقة مصيرية ألا وهي التعليم، لا سيما المتعلق منه بأطفالنا. في هذه المنطقة، يجب تقديم مصلحة الطفل وحقه في التعليم في إطار تربوي لا يختلف عليه اثنان.

وبشكل عام، تهيمن على الكثيرين فكرة مفادها بأنّ المديرية العامة للمدارس الخاصة قد ألقت بعض حبل الأنظمة المتبعة في المدارس الخاصة بما فيها الأسعار، على غارب المدارس نفسها وما عاد لها من دور شد وجذب في هذه المنطقة تحديدا، الأمر الذي نرجو ألا يكون صحيحا.

mohammed@alroya.net

تعليق عبر الفيس بوك