قرَّت عيون الغالية عُمان

عائشة البلوشيَّة

في أحيان وحالات خاصة جدًّا في عصرنا هذا، يصبح لمواقع التواصل الاجتماعي نكهة خاصة وطيف جميل من ألوان قوس قزح البراقة، طيف خارج تماما عن النطاق العريض والترددي...وغيرها من مصطلحات الموجات الصوتية والضوئية، طيف روحاني يجمع الأرواح في ألفة واحدة، ونبض متوحد ترنيمته دعاء واحد، لشخص تعدى في قلوب البشر حدود الحب بسنوات ضوئية، فأصبح هو الهاجس الجميل، والشوق هو التعطش لتلويحة كفه الأصيل، وباتت صورته رفيقة أسطح هذه الأجهزة الذكية، ساكنة حنايا القلوب الوفية، وكان يوم الثلاثاء الثاني عشر من أبريل إحدى هذه الحالات، نعم كان ذلك اليوم حالة من اللهفة والتسابق للبشرى، مذ بدأت الأجهزة والألسن تتناقل النبأ البلسم، بالعودة السامية لحبيب شعبه مولاي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -يحفظه الله ويرعاه- عائدا من جمهورية ألمانيا الاتحادية مكللا بتاج العافية، ولسان حال شعبه المحب له يدعو "يا عساه عمر النبي شعيب في صحة وعافية"، نشطت الوسوم المتعددة الجميلة، وانبرى الجميع يعبرون عن مكنون الصدور من شوق وترقب.

... إنَّ هذه التطبيقات الذكية أصبحت في متناول الأيدي بمختلف أعمارها وشرائحها، وأصبحت هي الأسلحة الحديثة التي تغزو العقول والألباب، فكم من خبر علمي أو أدبي يصلنا في اليوم والليلة بأن العالم الفلاني قال، وأن الصحيفة تلك أوضحت، أو الاكتشاف الطبي ذلك أفاد، معززين تلك الأخبار بمسميات أجنبية أو منسوبة لجامعات أو مستشفيات أو معاهد معروفة، وهي بعيدة بعد المشرق عن المغرب عن أدنى مستويات المصداقية، وبتنا نرى وللأسف ما ينسب إلى الاكتشافات العلمية التي تثبت صدق آيات الله، فينسبون عظمة الاكتشاف إلى إشهار إسلام القائم على الدراسة، أو يصلنا من شخص قد شحذ الهمة بالإعلان عن فاعل خير يتبرع بكذا وكذا، مؤكدا إعلانه بأرقام هواتف أو بريد إلكتروني، وبعد البحث والتقصي نجد أن الخبر عار تماما من الصحة، ومثلما أسلفت فإن هذه الأجهزة الذكية أصبحت بين أيدي الجميع، وأصبحت هي مصدر التسلية للكثير جدا من الكبار والصغار، لدرجة أن البعض أصبح مرهونا -ولن أقول عبدا- لرسالة أو رابط يرده من هنا وهناك، ويصدق كل شيء يأتيه، غير مدرك غثه من سمينه، فينسخ الرسالة ويعيد إرسالها، دون أن يدرك تأثيرها السلبي على المتلقي، الذي قد يكون كالغريق الذي يتعلق بقشة الأمل، وربما وقع ذلك المسكين ضحية لشبكة ابتزاز، أو مؤامرة مدبرة لمواقع مشبوهة.

ما أجمل أن نتفرد ونحن شعب الأخلاق بأن لا ننقل إلا الجميل والصادق، ألم يصفنا خير من وطىء الثرى بأبي هو وأمي قائلا: "لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك"، وهو الذي لا ينطق عن هوى -صلى الله عليه وآله وسلم- لننفض عن شاشات أجهزتنا الذكية رماد الشائعات والأخبار المفبركة، فديننا عظيم وليس في حاجة ﻷن نتناقل أخبارا مزيفة لنؤكد -لمن لا يأبه- عظمته، ومن يفعل الخير لديه الجهات الرسمية ليعلن عن أفعاله، لنعطي الخبز إلى خبازه ونترك للجهات الرسمية عبء الإعلان عن كل رسمي، ولنرفع عن كواهلنا مغبة الوقوع في المحظور أمام خالقنا أو في دنيانا، ولنسعد ببث الطاقات الإيجابية ورسائل السلام والتهاني، والمناقشات الهادفة التي ترفع بالمستوى العقلي لكل فرد منا، التي تزيد من رصيد التحصيل الفكري الإيجابي، الذي ينفعنا في خدمة وطننا وأمتنا والإنسانية جمعاء.

وأخيرا، وليس آخرا، "قرت عيون الغالية عُمان، وأبشري قابوس جاء"، في العود أحمد".

----------------------------

توقيع:

"مرض الحبيب فزرته، فمرضت من أسفي عليه.. شفي الحبيب فزارني، فشفيت من نظري إليه". (الإمام الشافعي، رحمه الله).

تعليق عبر الفيس بوك