"ما غرَّك بربك الكريم"

سارة البريكيَّة

تمنحنا الأيام فرصا لنكون أهلا لعمارة الأرض، وتعطينا الأقدار مجالات لنحقق ذلك وفق ما نستطيعه، وإن سكننا الضعف يوما فهناك مجالات كثيرة لنتدارك ذلك، وفي وقت شُرِّفنا لنقيم العدل والموازين الحق على ظهر البسيطة، فإن الله تعالى انبتنا من ضعف حتى لا تهيمن علينا قوى الشر والطغيان والعلو والاستخفاف ببعضنا بعضا، وفي هذا قال الله تعالى في محكم التنزيل وخلق الإنسان ضعيفا، وهذه الآية تشمل كثيرًا من الضعف الذي جبلت عليه الطبيعة البشرية، فالضعف في الإنسان بدأ منذ بداية خلقه وأصل خلقه حينما خلق من ماء مهين، ليصبح بعد ذلك هذا المخلوق الآدمي في هذه الحياة الدنيا مهما على شأنه وتكبر، مجبولا في كل حالاته على الضعف والوهن حتى آخر نفس يتنفسه، وحتى آخر يوم ولحظات له على وجه الأرض.

وفي نظرة لحالنا نحن البشر، نجد أنه رغم الضعف الذي هو منشأنا، فإن كثيرا منا لم يفطن إلى ذلك، ولم يرعو أو ينتبه إلى هذه الحقيقة الواضحة، فهذه الحقيقة كان ينبغي معها أن تهذب النفوس، وتقوم السلوك، وتصلح الحال لتستقيم معها الأحوال، فالضعيف حينما يدرك أنه في هذا الموضع، فإنه حتما سيبحث عن القوة لينجو وليتجاوز حالة الضعف التي به وعليها، وحينما يصلها، فإنه ينسى تماما بأنه ذات يوم كان ضعيفا، وبيّن الله ذلك حينما قال "وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ".

وفي هذا الصدد، نعلم تمامًا أنه ليس كل صاحب ديانة به صفات الخير، ونعلم أيضا أنّه ليس كل صاحب دين خال من صفات الشر، فإذن لطالما كل صاحب دين إسلامي لا يتمتع بصفات الخير والحب والإيثار والعطف والشفقة والكرم والتواضع، فهذا بحد ذاته إشكال كبير.

ومن هنا، فإن العلة إذن ليست في ديننا الإسلامي الحنيف بل هي في صاحب الدين، الذي عليه أن يكتسب الصفات التي تقدم ذكرها، وهذا لا يتأتى بأداء الفرائض والعبادات لوحدها، وإنما بمخالطة مختلف شرائح المجتمع في بيئات الإيمان وخارجها وتحبيبهم إليها من خلال الدعوة إليها بأسليب مختلفة، شريطة أن يعلم ذلك أنه من دواعي المسؤولية الفردية التي حث عليها ربنا.

إنّ التوصل إلى قناعة بالنقص والضعف بنا كبشر وفي أوجه كثيرة، يتيح للإنسان اكتساب صفات الرسول صل الله عليه وسلم، فمن خلال تلك المجالس التي تمت الإشارة إليها يتجدد الإيمان، ويحدث الأثر والتغيير في السلوك والمعاملات والمعاشرات.

.. علينا أن لا نحجم عن فعل الخير لأي أحد، وعلينا أن نعمله دائما وأبدا ولنتخذه مسلكًا ونهجًا فستجده دائمًا أمامك، وازرع جميلا في غير موضعه ما ضاع جميل أينما زرع، وهذه دعوة عزيزي القارئ أن تتوقع خيرا مهما كثر البلاء، وأن تعطي كثيرًا ولو حرمت، وأن تصل من قطعك وتعفو عمّن ظلمك، وأن تخالق الناس بخلق حسن، ولا ترد الإساءة بالإساءه‏. وفقني الله وإيّاكم لعمل وفعل الخير دائما وأبدا، فو الله إن خير الناس أنفعهم للناس وخير الأعمال إلى الله سرور تدخله على قلب مسلم، فالدين المعاملة، والمؤمن من أمنه الناس والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، دوموا بخير.

Sara_albreiki@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك