أسباب تراجع أهمية النفط في معادلة الطاقة (2-3 )

مستقبل النفط أمام تطور الطاقات البديلة

مرتضى بن حسن بن علي

الخوف والشعور بعدم الأمان من الطاقة العضوية ولاسيما النفط، ما زال يراود عددا كبيرا من الدول في الغرب. فآثار التداعيات التي صاحبت حرب أكتوبر 1973 وما نتج عنها من انقطاع جزء كبير من الإمدادات النفطية العربية إلى بعض الدول الغربية، ما زالت حية في الذاكرة، إضافة إلى الآثار التي نتجت من الاضطرابات التي رافقت وصاحبت قيام الثورة في إيران في عام 1979. وبعد ذلك التداعيات التي حصلت أثناء الحرب العراقية الإيرانية وعملية غزو العراق للكويت في عام 1990. وعلى الرغم من الاكتشافات النفطية الكبيرة في مناطق عديدة من العالم منذ تلك الفترة، فما زال بعض القلق موجودًا. لقد ارتفعت أسعار النفط خلال الفترة من الربع الأخير من عام 1973 إلى عام 1976، أي خلال فترة قصيرة نحو أربعة أضعاف واضطر عدد من الدول الغربية إلى اتخاذ عدد من الخطوات الضرورية لتقليل وتقنين استعمالات النفط. وتلك الدول ما زالت تخشى أن تحصل أزمة إمدادات مرة أخرى لأسباب سياسية أو عسكرية، حيث إنّ مصادر إمداداتها من النفط (وأيضا الغاز) موجودة خارج بلدانها. وإذا ما حدث شيء دراماتيكي مفاجئ، فإنّ استخراج كميّات جديدة من النفط والغاز، ليست عملية سهلة ولا سيما في خلال مدة زمنية قصيرة، كما أن مد أنابيب جديدة من النفط والغاز سوف تأخذ فترة من الوقت.

وعلى الرغم من أنّ منظمة أوبك فقدت كثيرًا من أهميتها النسبية لأسباب عديدة ومنها الخلافات الموجودة على حصص الإنتاج، مع ذلك لا زالت بعض المخاوف موجودة من اتفاق الدول المنتجة على سياسة تؤدي إلى تخفيض الإنتاج أو الحد من زيادة الإنتاج إذا ما ارتفع الطلب.

ولكن ليس التخوّف من ارتفاع أسعار النفط فجأة أو عدم الثقة من الحصول على إمداداته هو العامل الوحيد فقط الذي يدفع الغرب إلى بذل الجهود للتقليل من اعتماده على النفط والبحث عن مصادر بديلة ومضمونة ومتجددة ونظيفة وصديقة للبيئة وبأسعار معقولة. هناك عوامل أخرى أيضا منها الضغوطات المتزايدة في العالم المتقدم من جماعات البيئة والمنظمات الصحية، من الاعتماد المستمر على النفط والوقود العضوي إجمالا الذي يسبب تلوثًا في الأجواء وتنبعث منه غازات مضرّة مثل غاز ثاني أوكسيد الكاربون. وكثير من علماء البيئة يعتقدون أنّ التلوّث المستمر يسبب تغييرات مستمرة في البيئة وينشأ عنه ذوبان الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي وارتفاعا في درجات الحرارة في العالم وارتفاعا في منسوب المياه في البحار والمحيطات ونزول الأمطار الحمضية المضرة وما يسبب كل ذلك من نتائج خطرة. وعلماء وجماعات البيئة والمنظمات الصحية يمارسون ضغوطات مكثفة على الحكومات في الغرب لحملها على اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على البيئة ومكافحة التلوث وما ينتج عن ذلك من أضرار وبشكل متصاعد. كل ذلك يؤدي إلى زيادة في تكلفة النفط بصورة غير مباشرة حيث إن الآثار السلبية الناتجة على صحة الإنسان تؤدي إلى زيادة في الموازنات المخصصة لمعالجة الآثار الصحية الناتجة وفقدان ألوف من الساعات المنتجة بسبب الأمراض.

والنفط في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، هو من أكثر مصادر الطاقة المسببة للتلوث وهو المسؤول عن انبعاث نحو 18% من انبعثات غاز ثاني أوكسيد الكربون. صحيح أنّ ألغاز الطبيعي الذي هو أيضا نوع من الوقود العضوي والآثار الناتجة عنه أقل ضررا من النفط والاكتشافات الغازية ما زالت مستمرة، والتقديرات تشير إلى وجود ما بين 1500 و 2000 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة الأمريكية فقط والذي يمكن أن تكفي احتياجاتها لفترة تتراوح ما بين 75-100 سنة. ولكن مهما بلغت الكميّات فإنّها تبقى محدودة. كما أنّه في حالة التخلّي عن النفط والفحم فإنّ الحاجة للغاز سوف تزداد بشكل كبير. وإضافة إلى ذلك فإنّ الغاز ليس متوفرًا في جميع أنحاء العالم. وعملية نقل الغاز من بلد إلى آخر تحتاج إلى أنابيب تمر ببلدان عديدة. وعملية النقل أيضًا معرضة لمخاطر سياسية وعسكرية عديدة. وتوجد في العالم نحو خمسة ملايين سيارة يتم تزويدها بالغاز بدلا من النفط والعدد في زيادة مستمرة والمحاولات مستمرة لتشغيل السيّارات بالوقود الحيوي أو الكهرباء.

هناك أيضا أسباب اقتصادية تؤثر على البلدان المستوردة للنفط التي تشعر أنّها تصرف المليارات من الدولارات سنويا لاستيراد النفط، بدلا من استثمارها في داخل بلدانها لخلق فرص عمل جديدة. وعلى سبيل المثال فإنّ الولايات المتحدة صرفت نحو مليار دولار يوميًا لسداد ثمن احتياجاتها من النفط من نحو عشرة بلدان مختلفة في عام 2008. إضافة إلى ذلك فإنّ ناقلات النفط العملاقة التي تنقل النفط ترمي بكثير من المواد الملوثة في البحار وتسبب مشاكل للكائنات الحية التي تعيش داخلها. إضافة إلى ذلك فإن هناك مزاعم تتصاعد في الغرب بأنّ وجود كميات كبيرة من النفط في أيدي حكومات يشجعها على عدم تطوير مجتمعاتها علميا وثقافيا وتقنيا مما يدفع بأشخاص عديدين بالانخراط في العمليات الإرهابية.

appleorangeali@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك