صعوبات الزواج

مدرين المكتوميَّة

لا يلتفت الكثير من العائلات إلى أنَّ ظاهرة المغالاة في المهور باتت الآن أخطر سبب في تزايد معدلات العنوسة في المجتمع، ولا أقصد هنا عنوسة الأنثى وحدها، بل "عنوسة الرجل" (إن صح التعبير) أيضاً، وهذه لعمري أخطر وأشد، بأن يكون هنالك شاب لديه القدرة على اختيار الزواج بكل إرادته، ولكن يصطدم بواقع يجعله يحجم عن الفكرة، إلى جانب صعوبات أخرى تضعها أسرة الفتاة أو الشاب من ناحية معايير اختيار شريك الحياة، وفي مرات كثيرة يتمسك أحد الأطراف باختياره الذى يُخالف اختيار الأسرة حتى يمضي به العمر وتتلاشى فكرة الزواج ويحجم عنه ليدخل في باب العنوسة من أوسع الأبواب.

ولابد للمجتمع أن يغيِّر من نظرته الرجعية أو المظاهر الاجتماعية وأن تعمل الأسر على إسعاد أبنائها بعيداً عن أي مصالح، فقط ينبغي أن تتوافر في شريك الحياة القيم الدينية السمحة، باعتبارها أفضل المعايير التى أوصى بها الإسلام.

ومع تصاعد القيم المادية في المجتمع التي تركز على المظاهر والبهرجة، تتزايد الصعوبات أمام الشباب للزواج ويبالغ الأباء في وضع شروط تجعل الشباب يتردد من خطوة الزواج وعلى الرغم من تزايد عدد الشباب؛ كوننا مجتمعا فتيًّا، إلا أنَّ عقودَ الزواج في تراجع مستمر ويعود هذا إلى التكلفة المرعبة للكثير من الشباب من حفل الزواج وما يتطلبه من مهر وتجهيز المنزل وشهر العسل.

وتشير آخر الإحصائيات إلى أن وثائق الزواج الصادرة في السلطنة شهدت انخفاضًا بنسبة 9% في العام 2015 مقارنة بالعام 2014، حيث بلغ إجمالي عدد وثائق الزواج الجديدة الصادرة في العام الماضي من دوائر الكتاب بالعدل 25659 وثيقة، مقارنة بـ28152 وثيقة في العام 2014م، وصدر العدد الأكبر منها من دوائر الكاتب بالعدل في محافظة شمال الباطنة بعدد 5448 وثيقة، تلتها دوائر الكتاب بالعدل بمحافظة مسقط 4367 وثيقة، ثم دوائر الكتاب بالعدل بمحافظة الداخلية 3526 وثيقة تلتها دوائر الكتاب بالعدل بمحافظة جنوب الباطنة 3246 وثيقة ثم دوائر الكتاب بالعدل بمحافظة ظفار 2298 وثيقة.

وهذا التراجع في نسب الزواج وإن كان في نظر البعض بسيط جدًّا، ألا أنَّه لا يُبشر بخير في السنوات المقبلة، فتراجع الزواج يعني قلة الفرص، ويعني ظهور مشكلات أخرى، كانتشار الفاحشة، وارتفاع نسب العنوسة، وارتفاع نسب المشكلات الصحية وتأخر الإنجاب...وغيرها من المشاكل الأخرى التي يدفع ثمنها الشباب والشابات، ناهيك عن الفوارق العمرية بين الأطفال والأبوين؛ مما يجعل مشكلات التعامل الأسري تزداد سوءًا؛ بحيث تفقد الأسرة مسألة "التفاهم" بين أفرادها.

ولمن لا يريد رؤية الحقيقة، فعليه فقط أن ينظر في محيط معارفه وأقاربه وزملائه؛ ليجد أننا رغم كل الانفتاح الذي شهدته البلاد عبر عقود النهضة، ورغم ما أتيح للنساء العمانيات من حرية وقدرة على تحمل المسؤولية في التعليم والعمل والمشاركة في بناء المجتمع، رغم كل ذلك إلا أنَّ مسألة الزواج لم تتقدم قيد أنملة؛ فنفس القواعد والأسس التي تسير عليها منذ القرن الماضي، المهور بالآلاف قد لا يمكن لشاب وحده أن يدخرها من عمله ولو عمل لعشرات السنين، ومستلزمات الزواج تظل عبئًا على كاهل الزوج والزوجة يضيع عليها شبابهما وأجمل سنوات زواجهما؛ فتفتتح كل أسرة جديدة حياتها بهموم وأعباء تؤثر على أعصاب الزوجين وحتى على أدائهما في أعمالهما.

... إننا نحتاج إلى النهوض بتفكيرنا وتسهيل تكوين العوائل العمانية الشابة القادرة على بناء المجتمع، وبما يضمن لنا أجيالا جديدة ترفع شأن بلادنا ولا يكون هم كل شاب كيف سيتحمل كلفة الزواج، ولا هم كل شابة كيف تظهر أحيانا ما ليس فيها... فقط لتضمن زوجا مناسبا.

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك