كنوز الإعاقات

ناصر الجساسي

لا يحتاج محمد موسى البلوشي الذي يبلغ من العمر 16 سنة إلى صالات رياضية حتى يقوي عضلاته وقدراته الجسمانيّة مثلما يفعل بعض الأشخاص الحالمين للشهرة بهدف الحصول على جسم متناسق للتباهي به أمام الناس، لا يحتاج محمد إلى صالات رياضية لأنّه خرج إلى الدنيا وهو في الأساس لا يملك عضلات في أرجله وبالتالي لن يستطيع المشي عندما يكبر، ويوم أن تلقى والداه الخبر كانا فرحين بقدومه ولكنهما في نفس الوقت وقفا حائرين والغموض يكتنف مستقبل ابنهما وهو بين أحضانهما ويعلمان أنه سيعيش باقي حياته لا يستطيع المشي على قدميه؛ فوقفا حائرين كيف سيتعاملان مع حالته وهو الابن الوحيد المعاق بين إخوانه؟ في تلك اللحظة تقفز إلى أذهانهم أسئلة كثيرة ولا يعرفون لها أي إجابة سوى الرضا بقضاء الله وقدره.
بعد 10 أيام فقط قام والدا محمد بمراجعة مستشفى خولة حتى يبدآن البرنامج العلاجي الطويل والذي استمر 13 عاما تقريباً وبدلاً من وضع القماش"القماط" ولفه على جسمه كما هو متعارف للأطفال حديثي الولادة تم تفصيل جبس لأرجل محمد فبالإضافة إلى أن ليس بها عضلات هي أيضاً غير مستقيمة فهي بحاجة إلى جبس مستمر حتى تصبح قريبة إلى الوضع الطبيعي.
نعم التف الجبس على أرجل محمد نحو أكثر من 13 عاما وكان الجبس وقتها صديقاً غير محبب له ولكنّه وجد نفسه مضطراً للقبول بهذه الصداقة التي كانت تجبره على مراجعة المستشفى طيلة هذه السنوات، والتي أكسبته صداقات حميمة مع الأطباء والتي من خلالها أيضاً بدأ يرسم ملامح هدفه الأسمى بعد التخرّج من دراسته بأن يكون طبيب عظام.
محمد الآن في الصف الحادي عشر ويمتلك حنجرة ذهبيّة فاستثمرها في نفسه ودينه فهو قارئ للقرآن، مؤذن في مسجد الحي الذي يسكنه يزحف إليه بكرسيه المتحرك كل صلاة، منشد يشارك في الأمسيات والمناسبات الدينية والثقافية علاوة على ذلك معلّق رياضي ويمارس من على كرسيه رياضته المفضلة كرة السلة مع رفاقه ذوي الاحتياجات الخاصة، إنّه شخص متعدد المواهب متقد الذكاء ومتوهّج بالحيويّة والنشاط في مدرسته وهمته عالية وروحه مرحه، يؤنس الجميع بحديثه ومصاحبته أينما ذهب وارتحل معهم.
كثيراً ما نستمد طاقاتنا ونجاحاتنا من أشخاص أكثر منّا سناً وخبرة في الحياة وبالمقابل قليلاً ما نلتفت إلى أشخاص أقل منّا سناً وخبرة إعتباراً وظنّاً أننا أفضل منهم إلا أنّ هناك نماذج مشرفة نقف لها إجلالاً واحتراماً وتقديراً ومن بينها (محمد) الذي لم يبلغ إلى الآن سن العشرين ولم يكمل بعد دبلوم التعليم العام؛ ولكنّه يضرب لنا أروع الأمثلة في التغلب على الإعاقة وشفقة المجتمع باقتحام ساحة الحياة؛ متسلحاً بروح التحدي والمثابرة والتميز في مواهبه المتعددة والاستمتاع برياضته المحببة والتخطيط السليم والواضح لهدفه العظيم بأن يكون طبيب عظام.
الكثير من الأصحاء والأسوياء يعيشون حياتهم بلا هدف ولا حتى موهبة واحدة تميزهم عن الآخرين.. الكثير بيننا تجد عقله وقلبه فارغين من أي هدف سامٍ، هؤلاء هم المُعاقون حقاً وبحاجة إلى مصحّات علاجية.
إن كان ابنك أو أحد أفراد عائلتك يعاني من إعاقة جسديّة فإنّ بقربك كنزاً عظيماً وعليك اكتشافه.. كن ممن يكتشفون كنوز الإعاقات وممن يسعون إلى الاهتمام بها وإعطائها الثقة وتسخير كافة الإمكانات لها، وتأكّد تماما أن هذا الكنز سيكون خيرًا لك في الدنيا وسبباً لدخولك الجنة إن شاء الله؛ متى أحسنت اكتشافه والتعامل معه.

تعليق عبر الفيس بوك