"فطَـرتِ؟"

أنيس بن رضا قمر سلطان

سأدعوها ليلـى

جلست ليلـى وبدأت تقلّب صفحاتها المعتادة على الشاشـة بحثاً عمّا يثير اهتمامها من أخبار. بعد دقائق بدأت تؤنب نفسها؛ فهي في العمل والأفضل أن تباشر عملها، أو لعـلّ دخول زميلتها المكتب جعلها تتصفح رسائل العمل.. وسرعان ما تذكرت الصفقة الجديدة. كانت قد أرسلت لائحة بأسعار منتجات شركتها للأخ.. فلنسميه سيف. الأخ سيف مدير مشتريات موقر في وزارة موقرة - كانت قد زارته مع مديرها الأسبوع الماضي في مكتبه المحترم بأثاثه المتناسق ومساعديه الذين يبدو عليهم المشاركة الدائمة في سباق أحسن ربطة مَصرّ.. تحدث سيف حينها مليّـاً عن النوعيّة والجودة. تعلم ليلـى تماماً أنّ المنافسـة على مشتريات الوزارة ضارية ولذلك راعت تخفيض نسبة ربح شركتها بدرجة كبيرة - تذكرت حكمة مديرها السابق أنّه في وقت الشدة حتى ٥% من أي شئ أحسن من ١٠٠% من الصفر!

انتظرت ليلـى يومًا ويومين وانقضت الإجازة الأسبوعية وأصرّت ألا تتصل بالأخ سيف حتى ينقضي وقتاً كافياً يتشبع فيه من العروض الأخرى ويرى بعدها بنفسه قيمـة ما قدمته شركتها. ولكنّها كانت تتحرق شوقاً للتفاعل مع الأخ سيف ومساعديه ففي جعبتها تخفيض في السعر كانت قد أعدت له، وأرادت أن تمنحه ولكن بعد مناقشة وسجال حتى يشعر الأخ سيف بالفوز ويبيّـن لمديريه ومعاونيه مقدرته الفـذّة في كسر شوكة الشركات، ويبرز تفانيـه في خدمة مؤسسته. تريد ليلـى الفوز أيضاً فطالما نجحت في أعمالها السابقة وما كانت لتسمح لفرصة أن تفوتها وهي في أول شهر من وظيفتها الجديدة.

"بيـب بيـب" صاح هاتفها منبهاً لتلقيـه رسالة خطيـة. إنه رقم الأستاذ سيف - لم تحفظه في هاتفها بعد ولكنّها رمقت الثلاثة أرقام المكررة والتي يتهافت "المُهمّون" على اقتنائها لتعلن على الملأ أهميتهم.

"فَطَرتِ؟"

ماذا؟!

قرأت الرسالة مرة ومرتان وثلاثاً في ذهول متزايد. وتأكدت من الرقم. نعم إنه "الأخ" سيف.

بماذا تجيب؟ لو كان قد أكّد طلب المشتريات لقامت بدعوته وكل موظفيه للفطور والغداء. لو أراد المقابلة للتفاوض لاصطحبت مديرها للإفطار معه. نعم تناول "العيش والملح" سوياً يخلق بيئة طيبة للعمل ويساعد في تحسين العلاقات. ولكن أي علاقات؟

"فطاري بعد التوقيع"

لا لا، أخبرت نفسها. إذا ارسلت هذه الرسالة سأكون قد وافقت على لعبته.

"يسرني أن أدعوك للإفطار حتى نناقش العرض"

نعم، سترسل هذه الرسالة وستفاجئه باصطحاب مديرها. هممم.. قد يستاء من هذا التصرف لأنه سيعتقد أنه يقرأ ما بين السطور ويفسر كلماتها كيفما تخيّل له أهواؤه. وقد تقع الملامة عليها إذا رفض عرض شركتها.

مجتمعنا البار والأبي يغار على "حريمه" ويخلق قوانين تحفظ أهمية المرأة وخصوصية وضعها في العمل. ولكن ماذا عن أخلاقيات العمل مع المرأة؟ قصة ليلـى حقيقية مع التعديل المتوقع لحماية هويّة الشخصيات. ما الذي يعزز من ثقة سيف بنفسه وبقدرته على فرض نفسه؟ ولدى ليلـى قصص أخرى.

ففي ذات يوم اشتركت في برنامج تدريبي أخذها إلى خارج العاصمة. بعد جلسة تعريفية لكل المشاركين تقدم إليها رجل ظهرت عليه الكياسة وكان قد استرسل مُسبَقاً في أهمية العائلة وعن أطفاله وأهله فظنّتـه أهلاً للمحادثة. وكان كلامهما في الصالة العامة وفي سياق العمل. ولكنها تفاجأت بل صعقت عندما ترك لها ورقة برقم غرفته داعياً إياها لتناول وجبة ساخنة!

قالت لي بمزاح إنّها لم تعرف أن تأثيرها أخّاذ بهذا الشكل على الرجال، ثم أضافت بشيء من الإنزعاج أنّها تجزم بأنّ الكثير ممن تتعامل معهم من الرجال يعتقد أن كونها غير متزوجة يعطيهم حق المبادرة فيما يعتبرونه تقربا وتوددا - بينما تعتبره هي تحرشا سافرا واستفزازا غابرا.

"فديـتِك!"

هذه عبارة أخرى جنتها من غير أي توزيع للبسمات أو استراق للنظرات ولكنّها حطّت وجثمت على هاتفها.

قالت لي ليلـى إنّه في حال أن تضيق ذرعاً من تفاهات سيف وغيره سيكون لديها مواد دسمة لكتابة رواية عن يوميّات امرأة في العمل.

استأذنتها في كتابة مقال باسم "فَطرتِ" واقترحت أن يكون عنوان روايتها "ليلـى والذئب".

تعليق عبر الفيس بوك