وقفات مع المتفوقين دراسيًّا

عيسى الرَّواحي

تحدَّثتُ في مقال الأسبوع الماضي بعنوان "تكريم المتفوقين دراسيًّا" عن الطرق التي تتبعها المدارس في تكريم طلابها المتفوقين دراسيا، والذي يأتي إيمانا بأهمية تعزيز العملية التعليمية، وتأكيدا لما أوردته في ذلك المقال من أن الطلاب المتفوقين هم صفوة زملائهم وثروة المستقبل أكثر من غيرهم؛ فإنَّه يجب المحافظة عليهم والسعي بشتى الوسائل والطرق لرفع مستوياتهم نحو الأفضل، ولعلَّ الاحتفالات التي تقيمها المدارس لتكريم هؤلاء الطلاب إحدى الطرق التي تعزِّز بقاءهم وتحثهم نحو مواصلة مشوار التفوق.

ولا رَيْب أنَّ المسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة في الحفاظ على مستويات هؤلاء الطلاب، وعلى الطالب المتفوق أن يعي مسؤوليته في هذا الشأن، وأن يدرك أن التفوق مرهون بجده واجتهاده ومثابرته وليس في شخصه، فإنْ كان اليوم في عداد المتفوقين فربما يكون غدا في عداد الراسبين؛ لذا فعليه أولا وقبل كل شيء أن ينسب هذه النعمة إلى المنعم سبحانه وتعالى، فهو صاحب الفضل في إنعامه وجعله من المتفوقين يقول الله تعالى: "وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ" (النحل:53)، ومعلوم أنَّ دوام النعم مرهون بشكرها، كما يجب عليه ألا يغتر بمستواه ويتعالى بين أقرانه بطرا وعُجْبا كونه متفوقا، بل عليه أن يتواضع بعلمه لمن أنعم عليه ولخلق الله، وعلى الأسرة والمدرسة أن تغرس هذه المبادئ السامية الرفيعة في نفوس المتفوقين؛ إذ الغرور والبطر وعدم الشكر طريق سريع مختصر لزوال هذه النعمة، كما أنه لا يتوافق التفوق في العلم وسوء الخلق.

ومن خلال قراءة سريعة لحفلات تكريم المتفوقين في بعض المدارس -وتكاد تنطبق على أغلب المدارس، خاصة مدارس الذكور- فإنَّه يتبيَّن لنا أنَّ الطلاب المتفوقين في الصفوف الدنيا أكثر عددا من المتفوقين في الصفوف العليا؛ حيث تتناقص الأعداد شيئا فشيئا حتى تكاد تختفي في بعض الصفوف، وهذا يستوجب المحافظة على الطلاب المتفوقين من قبل الأسرة والمدرسة بشتَّى الوسائل والطرق. وكما هو معلوم لدى الجميع، فإنَّ الوصول إلى القمَّة ليس صعبًا، وإنما الصعب استمرار البقاء فيها. ولعل من أبرز أسباب هذا الانحدار في مستوى الطالب المتفوق مع تقدم عمره هو دخوله عالم التقنيات واقتناؤه لها في فترة الدراسة؛ إذ لا توافق بين اقتنائها والتفوق الدراسي.

ومما يُلاحظ أيضا في نتائج المتفوقين أنَّ درجات مادة اللغة الإنجليزية بشكل عام ليس بذات المستوى الذي يضاهي بقية المواد، فقد تتسبَّب هذه المادة في حرمان الطالب من التفوق، وقد تحرمه من الوصول إلى مستوى أعلى في درجة التفوق، وحول هذه النقطة سيكون لنا حديث مفصل في مقال مُستقل خلال الأسابيع المقبلة، بإذن الله تعالى.

ولا رَيْب أنَّ الطالبَ المتفوِّق إذا ظل على تفوقه بذات جده واجتهاده، وعلى وتيرة متصاعدة في جميع الفصول الدراسية؛ فإنَّ حصولَه على نسبة مرتفعة في مرحلة الدبلوم العام أو ما يسمى بالصف الثاني عشر سيكون سهلا ومرجحا؛ حيث إنه تعود المذاكرة والاهتمام والمثابرة في جميع الصفوف الدراسية التي سبقت هذه المرحلة، فأصبحت المعلومات والدروس لديه سهلة الفهم سريعة الحفظ، وقابلية المذاكرة والدافعية عنده في أقصى درجاتها. وعليه، فإنَّ كل طالب أراد التفوق في الصف الثاني عشر وتحقيق نسبة مرتفعة؛ فليجتهد في جميع الصفوف والمراحل الدراسية التي تسبق هذا العام؛ إذ يكاد يصعب -إن لم يكن مستحيلا- أن يُحقِّق طالبٌ نسبة مرتفعة في الثاني عشر، وهو غير مجتهد ولا مهتم بالصفوف التي سبقته؛ إذ العملية التعليمية عملية بناء تراكمي كما يعلم الجميع.. والله المستعان.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك