المؤسسات الإسلامية وجرائم داعش

صالح البلوشي

بعد العمليات الإرهابية التي حدثت في بلجيكا مؤخرًا واستهدفت مطار بروكسل، ومحطات للمترو، وخلفت عشرات القتلى والجرحى. سارعت بعض المؤسسات الدينية الإسلامية كالأزهر الشريف وغيرها بإصدار بيانات تنديد وشجب واستنكار لهذه الجريمة الإرهابية التي يتبرأ منها الإسلام الذي يقوم على العدالة والتسامح ورفض الإرهاب، وأصدر الأزهر بيانا أدان فيه بشدة اعتداءات بروكسل معربا عن "إدانته الشديدة للهجمات الإرهابية التي وقعت بشكل متتابع في العاصمة البلجيكية بروكسل". مشدداً على أنه "إنْ لم تتوحد جهود المجتمع الدولي للتصدي لهذا الوباء اللعين، فلن يكف المفسدون عن جرائمهم البشعة بحق الأبرياء الآمنين".

ولكن المُلاحظ في مواقف الأزهر -وغيره من المؤسسات الإسلامية- أنه في الوقت الذي يسارع فيه بالتنديد واستنكار للهجمات الإرهابية التي تقع في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية فأننا لا نسمع لهم صوتا إزاء الهجمات الإرهابية التي تقع في سورية والعراق واليمن وتستهدف المدنيين، فبعد عدة أيام فقط من تفجيرات بلجيكا فجر إرهابي داعشي نفسه اثناء حفل توزيع الكؤوس على اللاعبين بعد نهائي بطولة محلية لكرة القدم في الناشئين في جنوب بغداد بالعراق وأسفر عن مقتل 32 شخصا وعدد كبير من الجرحى أغلبهم من الأطفال وصغار السن، وقد أدانت منظمات دولية عديدة هذه الجريمة البشعة، ولكن صوت الأزهر والمؤسسات الدينية الإسلامية كان غائبا. وقبل عدة أيام فقط وقع تفجير قوي استهدف متنزها في مدينة لاهور بباكستان وقُتل فيه 70 شخصا على الأقل، بينهم 29 طفلا، وأصيب حوالي 300 شخصا وأيضا لم نسمع صوتا للأزهر ولا للمؤسسات الدينية التي عودتنا دائما بإصدار البيانات القوية بعد كل تفجير يقع في أوروبا أو الولايات المتحدة وكأنها تقول: بأنها لا تهتم بما يحدث من تفجيرات وأعمال إرهابية في العالم الإسلامي باعتبار أنها قضايا داخلية، ومن حق المسلمين أن يقتل بعضهم بعضا، فلا يوجد هناك أي داع لإصدار بيان، وإنما تدور اهتمامها بما يمارسه بعض المسلمين في الدول "غير الإسلامية" فقط.

سكوت هذه المؤسسات الدينية الإسلامية يثير كثيرا من التساؤلات حول موقفها من الحركات والمنظمات التي تدعي الإسلام وترفع لواءه وتقوم بممارسات إرهابية في الدول العربية كداعش والقاعدة والنصرة وبوكو حرام وغيرها، فحتى الآن لم يصدر الأزهر بيانا شافيا أو كتابا يرد فيه على الأدلة الفقهية التي تستند إليها هذه الحركات من كتب التراث الإسلامي في قتل الآخرين سواء المسلمين أو الديانات الأخرى، ولم نجد أحدا من علماء الأزهر رد على كتاب "فقه الدماء" للمدعو أبي عبدالله المهاجر الذي يعتبر المرجع الرئيسي لداعش في سفك الدماء واستحلال قتل كل من يخالفهم في الرأي، أو حتى أعلن بشكل صريح أنّ الممارسات اللاإنسانية التي تمارسها داعش مثل سبي النساء واستخدام الأساليب البشعة في القتل لا تمت إلى الإسلام بصلة، بل إنّ بعض المؤسسات الإسلامية تبرر استنكارها للأعمال الإرهابية التي ترتكب في أوروبا بأنّها بسبب تأثيرها السلبي على أوضاع المسلمين هناك، بمعنى أنّ استنكارها بسبب لأنّها تؤثر على المسلمين هناك فقط وليس لأنّها تعتبر هذه الأعمال إرهابيّة ولا تمت إلى الإسلام بصلة.

إنّ الرد على خطاب التنظيمات المتطرفة لا يكون بالبيانات الإنشائيّة التي لا تتضمن أي نقد حقيقي لهذه الخطابات، وإنّما بتفكيك خطاباتها المتطرفة من جذورها، بمعنى أنّ من يريد أن ينتقد داعش فعليه أن ينكر من باب أولى المنظومة المعرفية التي تقوم عليها وتكفر من خلالها كل من يختلف معها في الرأي، فهذه الجماعة الإرهابية لا تكفر فقط غير المسلمين، ولا تقتل فقط أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى كالشيعة والزيدية والصوفية، وإنما تمارس القتل حتى على التنظيمات المتطرفة الأخرى كجبهة النصرة وجيش فتح الإسلام وغيرها، إنها جماعة تضرب في كل مكان، ولا يهمها سواء كان المقتول مسلما أو ينتمي إلى ديانة أخرى فشهوتها للقتل ليس لها حدود، فلماذا تستنكر المؤسسات الإسلامية جرائم داعش في الغرب ولا يُسمع لها صوت على جرائمها في سورية والعراق والباكستان واليمن؟ أليس القاتل واحدا؟ هذا التناقض يذكرني ببعض القنوات الفضائية العربية التي تهلل لتفجيرات داعش في العراق حتى لو استهدفت مدنيين وتصفها بأنّها انتصارات ضد النظام العراقي، بينما تندد بها إذا فجرت في دولة خليجية.

تعليق عبر الفيس بوك