"الكل يستطيع أن يفعلها"

زينب الغريبية

يأتي الصباح والمساء ولا تهدأ النقاشات حول تأثير انخفاض النفط على كثير من قطاعات الحياة المختلفة، ولأننا في بداية العام لم نتبيّن حتى الآن إلى أين ستأخذنا هذه الأزمة خلال الفترة القادمة، ونحن الذين أخطأنا في التخطيط للمستقبل، ولم نتمكن من إرساء دعائم اقتصاد قوي، ووثقنا ثقة عمياء في النفط، وأخطر ما يمكن أن نواجهه اليوم هو أننا لا نزال نطرح نفس الرؤى والأفكار التي لا نريد أن نعمل على تنفيذها، وكل واحد يتطلع إلى حل من الآخر، وكل مؤسسة تنتظر حلا من الأخرى، ولكن لا أحد يريد أن يفعل شيئا من أجل الآخر، ولا أحد يريد أن يلتقط فكرة ويبادر بتنفيذها، هذا هو زمن المبادرات الفردية والجماعية وليس زمن الاستسلام والخنوع، وانتظار الحلول من الآخرين، هذا هو وقت العمل وليس وقت التفرغ للكلام؛ لأنّ الكلام وحده لن يغير واقع فرد ولا واقع بلد، علينا أن نتعلم من هذا العالم الذي حولنا ومن الأفكار الموجودة فيه، ومن قصص النجاح التي حدثت فيه، حتى تصبح بلدنا في نظرنا "فردوسًا" كما هي في نظر القادمين إليها من الخارج، والذين يدخلونها لا يملكون شيئا إلا الإرادة والإخلاص الذي يدفعهم لتغيير واقعهم، ويستثمرون كل وقتهم في التعلم وبناء أنفسهم، ويحققون في سنوات قليلة ما نعجز عن تحقيقه، والكل يسأل كيف حدث ذلك؟ ما الذكاء الذي يمتلكونه ولا نمتلكه نحن؟ هل هم بالفعل أذكى منا؟

متى سنفهم أنّ ثمرة العمل والإخلاص ستكون نجاحا أمّا ثمرة الكسل والتراخي فستكون إحباطًا وفشلاً، إنّ الأفكار الاستثمارية أمامنا في كل مكان، ومن يتأمل فيها ويقتنص أحدها ويعمل على تنفيذها بصبر يحقق ما لا أحد يتخيله، أمّا الوقوف في صفوف المتفرجين الذين ينتظرون من يغير واقعهم فلن يقود إلى أية مكاسب ينشدها الإنسان، لا أزال أذكر قصة تلك السيدة الإيرانية التي كانت تعيش بلا عمل، تعاني من الفراغ والبطالة والاكتئاب، وتسأل نفسها هل سيأتي اليوم الذي تمكنها شهادتها في الحقوق من الحصول على عمل توفر منه لقمة العيش لاسيما بعد وفاة والدها، لذا حاولت أن تتعلم مرة لغة أخرى؛ ربما تتمكن من الحصول على أفق عملي أفضل، حيث سافرت إلى الأرجنتين ودرست الإسبانيّة وعادت إلى إنجلترا بدون أن يحدث تغيير، ومضت إلى الولايات المتحدة حيث يقيم أخوها للتخفيف من حدة الوضع الذي تمر به، ولكن هذه الرحلة كانت نقطة تحول كبرى في حياتها، ففي أحد أيام رحلتها ذهبت صباحا إلى أحد مقاهي نيويورك لتناول القهوة الأمريكية، وفي هذا المقهى بدأت تفكر في فنجان القهوة الذي تشربه، وبدأت تتساءل بداخلها لماذا لا تقدم مثل هذه القهوة في إنجلترا، وهل لو تمّ تقديمها سيقبل عليها الناس؟ أفكار تطرأ لكل إنسان في أماكن معينة، وتكون لحظتها براقة، ومثمرة اقتصاديا، ولكنهم يغادرون ويتركون تلك الأفكار في أماكنها لأنهم يشعرون لحظتها أنّ الوصول بالفكرة إلى التنفيذ يحتاج إلى عمل كبير، وإلى التغلب على كثير من التحديات، لكن هذه السيدة الإيرانية التي تدعى "سحر هاشمي" لم تترك الفكرة في المقهى لكنها خرجت بها وقررت أن تعمل على تنفيذها ولم تدرك يومها أنها ستقودها إلى تغيير حياتها بالكامل وأنّها سوف تصبح في ظرف سنوات قليلة سيدة أعمال كبيرة تمتلك (82) مقهى تدعى (Coffee Republic).

وأنا أقرأ قصة هذه السيدة تساءلت كم عدد الذين لاحظوا أن تلك القهوة غير موجودة في إنجلترا؟ لماذا لم يقم أي منهم باستثمار تلك الفكرة قبلها؟ والإجابة أن رواد النجاح والتغيير هم الذين يأخذون الأفكار التي تبدو صعبة، ويعملون مجازفة على تنفيذها، وتحمل الصعوبات التي تكتنف عملية التنفيذ، فالمشاريع الناجحة لا تصبح كذلك في غمضة عين، ورجال الأعمال لم يصلوا إلى ما هم عليه بدون تخطيط وعمل دؤوب لسنوات، لا شيء يأتي هبة أو منحة، كل شيء يتطلب العمل المنظم والمخطط له؛ لأنه لو استكملنا قصة نجاح هذه السيدة نجد أنّها لم تنفذ فكرتها مباشرة وتجازف بدون دراسة، بل قامت في بداية الأمر بإجراء دراسات حول جدوى الفكرة، ومن ثم قرأت في كيفية بدء المشاريع وتسلحت ببعض المعلومات الضرورية فهي في النهاية ليست متخصصة في الاقتصاد، ومن ثمّ عملت جولات في كثير من مقاهي لندن؛ حيث كانت تطلب قهوة لتعرف ما الذي يمكن أن تضيفه القهوة التي تريد تسويقها، وبعد ذلك بدأت تبحث عن التمويل، ورفضت (19) جهة تمويلها، فهل قررت التوقف بدعوى عدم توافر التمويل، وترك الفكرة، لم تتسلم حيث قبلت الجهة العشرين تمويلها وفتحت أول فرع لها في عام (1995) وبعد عامين فتحت الفرع الثاني، مما يشير إلى أنّ قراءتها وتخطيطها الجيد قادها إلى النجاح من أول سنتين، ونتيجة لاختلاف الأذواق قررت تقديم أنواع أخرى من القهوة، لكن هل كان ذلك كل طموحها؟ وآن لها أن تسترخي بعد أن امتلكت فرعين؟ لم تكتفِ وقررت أن تغامر مغامرة مدروسة بطرح أسهم شركتها في البورصة وجمعت (8.5) مليون جنيه إسترليني، وغامرت مرة أخرى وطرحت الأسهم في البورصة وجمعت (20 مليون جنيه إسترليني) وفي هذه اللحظة التي جاءت بعد خمس سنوات من افتتاح الفرع الأول، فتحت كثيرا من الفروع، وأصبح لديها (800) موظف، هل كان بالإمكان تحقيق كل هذا في خمس سنوات بدون دراسة وصبر وعمل دؤوب؟ لايمكن بالطبع وعلى رواد الأعمال من الشباب أن يدركوا أن تأسيس مشروع والمضي به إلى النجاح سيمر بالعديد من المراحل والتحديات والصعوبات وبقدر الالتزام يكون النجاح.

ولا توجد عبارة اختم بها مقالي أفضل من عنوان كتاب هذه السيدة الذي حقق مبيعات كبيرة وتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعا في إنجلترا وجعلته بعض الجامعات مقررًا دراسيا في كليات الأعمال، والعبارة هي "الكل يستطيع أن يفعلها"، كيف أسسنا جمهورية القهوة من على طاولة المطبخ"، نعم كل الشباب يستطيعون أن يفعلوها ويقتنصوا الأفكار ويحولوها إلى واقع، لا شيء مستحيل أمام الإرادة والتخطيط والصبر، وإذا كنا في السابق نوصف "برواد البحار" فيمكن اليوم أن نوصف "برواد الأعمال"، علينا أن نبدأ فالكل يستطيع أن يفعلها.

تعليق عبر الفيس بوك