لماذا الحاجة ماسة لقانون التقاعد الجديد؟

عبد الله العليان

في الحادي عشر من نوفمبر2013 أصدر جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - العديد من الأوامر السامية، تتعلق بتوحيد جدول الدرجات والرواتب لموظفي القطاع المدني بوحداته وهيئاته ومؤسساته، والعمل به ابتداءً من تاريخ 1/ 1/ 2014؛ ومنها توحيد منافع التقاعد والتزامات المستفيدين تجاه صناديق التقاعد، وذلك وفقاً لنظام التقاعد الخاص بموظفي ديوان البلاط السلطاني.

لكن منافع هذا النظام الذي تمّ بتوجيه من جلالته، لم يتم تطبيقها حتى الآن، مع أنّ صندوق التقاعد له شخصيّة اعتباريّة، واستقلال مالي وإداري عن الدولة بموجب القانون الذي وضعته الدولة، وإن كانت الحكومة تساهم بنسبة في هذا الصندوق؛ تقديراً لعمل الموظف خلال مدة الخدمة، ووفق الأنظمة التي وضعتها الحكومة لهذا القانون منذ صدوره عام 1984، وقد يعزو البعض توقف قانون التقاعد الموحد عن التطبيق؛ للظروف المالية بعد انخفاض أسعار النفط، ولكن الإشكالية أنّ آلاف موظفي الدولة المدنيين يتقاعدون سنويا وفق النظام القديم، ويحرمون من المزايا الجديدة التي يتميّز بها هذا القانون، لو تم تطبيقه، سواء في الراتب التقاعدي، أو في مكافأة ما بعد الخدمة، والذي هو في الأصل مطبق منذ سنوات في بعض الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية التي تتبع نظام الخدمة المدنية دون بعضها الآخر، لكن نراه مهماً لتطبيق هذا القانون الجديد، خاصة أنه في ظل الظروف الحالية، مع توقف التوظيف من العام المنصرم، واستمرار تخريج آلاف الجامعيين من الجامعات والكليات الحكومية والأهلية، في شتى التخصصات المهنية والعلمية، وهم بعشرات الألوف من الخريجين، ومع وجود الترهل في جهاز الدولة ـ كما قال أحد المسؤولين من عدة سنوات ـ فإننا نعتقد وبصدق وشفافية، أنّ على الجهات المسؤولة في الدولة عن أنظمة التقاعد، وخاصة مجلس الخدمة المدنية- وهي الجهة التي تضع السياسات والنظم للخدمة المدنية- أن تنظر بجدية في تطبيق قرار توحيد منافع التقاعد للمدنيين الذي جاء بأوامر سامية في نوفمبر 2013، وهذا له من المكاسب للدولة والموظف وفق الآتي:

أولاً: إنّ تطبيق هذا القانون الجديد، سيدفع الكثير من الموظفين في الدولة لطلب التقاعد الاختياري، خاصة أنّ بالدولة عشرات الآلاف من الموظفين الذين أمضوا في العمل بالدولة مددا تزيد على ربع قرن، وبعض هؤلاء في درجات مالية كبيرة، والدرجة الواحدة، ربما تعادل أربع درجات لموظفين جدد يتم تعيينهم، وهذا في صالح الدولة في الأساس من حيث تخيف الأعباء المالية الكبيرة للدولة، حيث يوجد تكدّس كبير في جهاز الدولة المدني، وفوق حاجة هذا الجهاز الإداري، ومن ثمّ فوق طاقة الاستيعاب، وكلفة كبيرة للدولة مع الوقت، وأغلبهم ينتظرون نظام التقاعد الموحد الذي أعلن في نوفمبر 2013، والدولة تعرف ذلك، وكلنا نلاحظ ونشاهد بأم أعيننا هذا التكدس الوظيفي في الكثير من الوزارات والهيئات والمؤسسات، والحل في نظام تقاعدي مجزٍ، يجعلهم يسعون للتقاعد الاختياري طواعيّة.

ثانياً: العاطلون عن العمل يزدادون سنوياً بأعداد كبيرة في كل عام ـ خاصة السنوات الأخيرة ـ ووفق تقديرات سجل هيئة القوى العاملة في يوليو 2015، يقدر عدد المسجلين لطلب التوظيف بـ (بمائة ألف)، ومع المخرجات خلال الأشهر الماضية من يوليو الماضي من الجامعات والكليات والثانوية العامة، قد يقدرون بعشرات الآلاف أيضاً، وهذا يتطلب النظر بجدية كبيرة، لمعالجة هذا الأمر، وهذا ليس سهلاً لإيجاد حلول لقضية العاطلين عن العمل في بلادنا وله مخاطر اجتماعية كبيرة في ظل توقف التوظيف منذ العام المنصرم، ومن ضمن الحلول تطبيق النظام التقاعدي المجمّد، وفتح باب التقاعد الاختياري وفق تطبيق هذا النظام الجديد، وهو الذي سيسهم في استيعاب الكثير منهم بعد تقاعد الكثير من الموظفين بعد تطبيقه.

ثالثاً: من القواعد الهامة للنظام الأساسي للدولة في بلادنا أنّ (إقامة نظام إداري سليم يكفل العدل والطمأنينة والمساواة للمواطنين، ويضمن الاحترام للنظام العام ورعاية المصالح العليا للوطن) تعتبر من المبادئ الموجهة لسياسة الدولة التي تضطلع بهذا الدور خدمة للوطن ورعاية للمواطنين. وقد أكّد جلالة السلطان المعظم في معظم كلماته السامية منذ بدايات النهضة أنّ الإنسان العماني هو محور التنمية، وصانعها في مساراتها المُختلفة. ولذلك فإنّ الاهتمام بهذا الإنسان هو الرصيد الكبير الذي تعتمد عليه الدولة، عندما تأتي الظروف والمتغيّرات، من هنا نرى النظر هو إرساء هذا النظام الجديد على الجميع، وليس تطبيقه على جهة دون أخرى، وهذا من أساسيات توجهات الدولة، ويسهم في الاستقرار الذي ننشده جميعاً.

رابعاً: الإشكالية الأهم الناجمة عن هذا التأخير؛ أنه مع مرور كل عام يحال للتقاعد المئات من موظفي الدولة المدنيين على نظام التقاعد الذي يفترض أن يكون الآن قديما، لكنه لا يزال معمولا به حتى الآن، والسبب عدم تنفيذ الأوامر السامية بتطبيق منافع التقاعد، والمتضرر الأكبر إن لم يكن الوحيد من استمرار العمل بنظام التقاعد القديم هم الجيل القديم، فالجيل القديم المتضرر هو من تحمل مسؤولية أعباء بناء الدولة الحديثة، وهو من عاصر مراحلها الصعبة حتى تم تأسيس مرحلة الأمن والاستقرار التي نعيشها الآن، فهل جزاء وفائهم حرمانهم من نصف راتبهم بعد تقاعدهم ومن مكافأة ما بعد الخدمة؟.

رسالة لمن يهمه الأمر.



تعليق عبر الفيس بوك