الكعك المحروق مغطى بالتوت

ابتهاج المسكريَّة

كل الأطراف متواطئة متشابكة ومشتركة في هدف واحد وهو إذلال العقل العربي، تعمل على رسم الحدود وبناء الجدران وحشره في زنزانة ضيقة، إلى أن أصبحنا مُتأخرين جدا للحد الذي أشك فيه بوجودنا في أي مرتبة من مراتب سلم المجد، ربما موجودون فقط للفرجة والتصفير للمتقدمين، وانتظار أن يرمونا من قممهم بشيء من بركاتهم من العلم أو الاختراعات، وبعد ذلك نتعارك ونتشاتم ونتوجَّس من أنها "مؤامرة" عُظمى يريد الآخرون إيقاعنا في قاعها؛ فنبدأ بالتشريح والتفتيت والتحليل إلى أن نيأس من إيجاد نوايا خبيثة فننقل جثتها مشوهة مهترئة بعد أن قتلناها صِرَاعا خاسرين المزيد من الوقت، فيما الآخر يتقدَّم ويصعد للحد الذي بالكاد نرى كعب أقدامه!

أقول كلامي هذا وأنا مُحاطة بمناهج الأحياء المقررة للمدارس الحكومية للمرحلة الثانوية، كنت أقراها بهدف ترطيب أزقة دماغي اليابسة لهذا النوع من المعرفة، إلا أنَّني سقطت في مسرح جريمة، كان العقل البشري مجنيًّا عليه حتى المخيخ، حين تنبهت إلى خلوها من نظرية داروين، وأنا بعدسة المفتش كولمبو، أدقِّق في الصفحات وفي السطور وفيما بينها وما هو خلفها، نظرية بهذا الوزن العلمي والتاريخي لا يحق للعقول الناشئة أن تفكر فيها وتتعلمها بحيادية أو تتساءل في أمرها، ثم تدخل في فضاء الشك والبحث، وفي النهاية تقرر موقفها منها، فقد قرر مسبقا مساحة الفضاء المسموح أن تتجول فيه العقول وقدر ونوع الأسئلة التي تُسأل، وحرمة ما هو أبعد من ذلك. ندور في نفس الدائرة منذ القدم كأننا محقونين بالسلاحف، نتجاهل حقيقة أنَّ من يتأخر فوق المعقول ليست في نيته الحضور، والغائب عذره معه؛ لأنه حين قرر ربط حذائه واللحاق بالركب شغلته قضايا عظيمة على شاكلة "الموسيقى حلال أو حرام، وهل يجوز تهنئة المسيحيين بالكريسماس"، فتأخرنا جدًّا لدرجة أنَّ الكلبة لايكا كانت تطوف في الفضاء الخارجي على متن صاروخ تابع للاتحاد السوفيتي قبل أن نعي أهمية التعليم.

ويبدو لي أنَّ هيلاري كلينتون المرشحة لرئاسة أمريكا مسؤولة فقط عن إغاظتنا بأي شكل من الأشكال، ما إن تظهر على شاشات التلفاز حتى تبدأ الإهانات بالنمو في قلوبنا، تهيننا بأنفسنا بطريقة احترافية وغير مقصودة؛ لأننا لسنا ضمن أجنداتها، هي معنية بالمخلوقات الفضائية ومؤمنة بها للحد الذي قدمت وعودا في حال فوزها ستسعى للكشف عنها؛ ذلك أنها على دراية من أين يُؤخذ الصوت وأي أيقونة تمنح لمن يحترم العقل والمعرفة. ينتظر من وزارة كوزارة التربية والتعليم أن تعنى بالجذور والعمق حتى يكون النتاج طلابًا مفعمين بالفكر ومتقدي الأذهان يغوصون عميقاً في الظواهر للوصول إلى اللُّب، دون الاكتفاء بالمظهر من "سبورات ذكية" وألواح الآيباد وتقنية تحرك ذيلها في مكان حتى نبدو "شيك".. لست ضد هذا بكل تأكيد، ولكن ضد أنْ لا يكون هناك سوى هذا. إنَّ التغيير والتطوير الحقيقي يبدأ من أحشاء المناهج الدراسية؛ حيث يرقد غول التخلف مطمئنا، وليس بتغطية الكعك المحروق بالتوت.

تعليق عبر الفيس بوك