نحو البوصلة العُمانيَّة

حمود الطوقي

منذ كامب ديفيد، مرورا بالحرب العراقية-الإيرانية، وصولا إلى مقاطعة إيران بسبب الحظر الناشئ عن الملف النووي، والكثير من القضايا العالقة، تركتْ السلطنة إرثا من الفكر السياسي، يعتمد على المرونة والتعقل، قوامه الحكمة الدبلوماسية التي تعتمد التعامل مع القضايا وفق مناظير أكثر شمولية، مقارنة بضيق الأفق المرتبط بالصراعات ذاتها.

الآن في السلطنة، يحضر الوفد الليبي من أجل وضع توافق دستوري، يساعد على تكريس العملية السياسية في ليبيا بصيغة مرنة، تستوعب مختلف الأطياف السياسية والقبلية والمسارات المتصلة بالأقليات الإثنية في ليبيا.. والسؤال الذي يبرز هنا هو: لماذا سلطنة عمان؟ ولماذا تُوجَّه البوصلة إلى عمان؟

من المنظور الأممي، كما تراه هيئة الأمم المتحدة، فإنَّ السلطنة تمتلك رصيدا تفاوضيا مشرفا، وثمة تجارب حقيقية على أرض الواقع، مرتبطة بما لدى السلطنة من تجارب داخلية، أو بسط يد المصافحة لرأب الصدع بين الأشقاء أو غير الأشقاء، وتقديم الحلول الملموسة التي تنتصر للدبلوماسية وتنبذ الحرب، بما تحمله هذه العبارة من معنى.

لا شك أنَّ هيئة الأمم المتحدة تدرك أنَّ لسان الحكمة الذي تتمتع به السلطنة له أهمية في جعل لغة الخلاف تتحوَّل إلى لغة مصالحة، فلا فرقاء في الخطاب السياسي، بل هي عملية احتواء للمشهد السياسي المحتقن؛ من خلال زرع مناخ نفسي مقبول، ذي نتائج فاعلة على المَدَيَين الحالي والمستقبلي، وهو ما تحقق في أبرز مثال في المنطقة: الملف النووي الإيراني، الذي كان للدبلوماسية العمانية وجهودها شأن كبير في تحقق انفراجات، لم تلبث أن تتحول إلى اتفاقات، وهو ما أزاح صخرة عن كاهل المنطقة بأسرها.

التدخل العماني مرصود من حيث البناء والأسلوب والنتيجة؛ لذلك فإنَّ وجود الأشقاء الليبيين في السلطنة، في ظل حوار دبلوماسي عاقل، على ضوء المشهد المستمر في ليبيا منذ سقوط الحكم السابق، يجعل أنظار العالم شاخصة نحو ما ستسفر عنه مساحة الحوار الموجودة.

نُدرك يقينا أنَّ السلطنة أصبحتْ بوصلة العالم في خلافه مع قضاياه، ليكون مقادا بحكمة وبصيرة نحو بر الأمان، البوصلة العمانية التي تسير وفقا لمرئيات المقام السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الذي يدرك أن العملية السياسية التي تُؤطَّر بدائرة الحوار الدبلوماسي الذي يراعي مصالح البلدان والشعوب ويرأب الصدع ويقلص مساحات الخلاف، هو ما تحتاجه البنية العالمية، وهو ما ينبغي توجيه الجهود من أجل تحقيقه وإنفاذه، لكي تستطيع الدول أن تتعاطى مع مستجداتها بما يعمِّق السلام بينها، لينعكس على شعوبها.

بحق.. السلطنة بفضل الحكمة والحنكة السياسية لجلالة السلطان أصبحت بوصلة السلام العالمي، وهذا ميراث لا ينبغي التفريط فيه، بوصفه أحد مكتسبات السياسة العمانية الخارجية. وهنا ندرك أن الدبلوماسية العمانية يُمكنها أن تدير وتنجح في إدارة الملف اليمني الذي يعد أحد الملفات الشائكة.

تعليق عبر الفيس بوك