أصحاب السعادة

ابراهيم الخروصي

ibrahim.alkharousi@gmail.com‏

أظهرت دراسة أخيرة أنّ القهوة هي سر سعادة السويدييّن، حيث يعد الشعب السويدي ثالث أعلى شعوب العالم استهلاكا للقهوة، آنا برونس في كتابها "فن استراحة القهوة السويدية" تعتقد أن كفاءة وإنتاجية الموظف السويدي تتضاعف من مرتين إلى ثلاث مرات بسبب احتساء القهوة الصباحية، لذلك فإنّ بعض الشركات السويدية خفضت ساعات العمل إلى ستة ساعات مع استراحة إجبارية للاستمتاع بالقهوة، وبالرغم من ذلك لم ينخفض مستوى الإنتاجية.

السعادة كمفهوم تم تعريفه بأشكال عديدة تختلف بحسب الزمان والمكان وثقافة الشعوب ومعتقداتهم، وقد يتفق العديد من علماء النفس على أن السعادة هي الحالة النفسية من الرضا والقناعة الشخصية المتناغمة مع الأمل والرخاء والامتنان والعطاء والخلو من الأمراض الجسدية، كما يعتقد آخرون أنّ السعادة شعور فردي يختلف من شخص لآخر كاختلاف بصمة الأصابع، كما يتفق الصينيون مع الشعب الأمريكي في استبيان سابق أن الحياة الاجتماعية والعلاقات الجيدة مع أفراد العائلة والأصدقاء سبب رئيسي للشعور بالسعادة، الأديان كالإسلام والبوذية جاءت كذلك لتؤكد على أنّ مفهوم السعادة يتجسّد في السلام الداخلي وهذا ما تحققه لحظات الصلاة والتأمل والاسترخاء الذهني.

في اعتقادي فإنّ فكرة السعادة هي الشغل الشاغل للبشرية حيث كتبت آلاف المجلدات تعالج هذا المفهوم الشائك والمعقد كما اهتمت منظمة الأمم المتحدة بهذا الموضوع حيث أنّها تحيي بشكل سنوي يوما للسعادة العالمي يوافق 20 مارس من كل عام، ويتم إعداد تقرير سنوي من قبل برنامج التنمية المستدامة يحلل فيه ظروف الحياة في 157 بلدا حول العالم، باستخدام 38 مؤشرا أهمها نظام الحكم السياسي وقدرة الأفراد على تقرير مستقبلهم وكذلك مستوى الفساد والصحة والتعليم ومعدل دخل الفرد، وقد جاء الشعب الدنماركي كأسعد الشعوب في تقرير هذا العام 2016م متبوعا بكل من سويسرا، أيسلندا، النرويج، فنلندا، كندا، هولندا، نيوزيلندا وأستراليا.

ومن الجميل أن نعرج لفلسفة مختلفة لمعضلة السعادة حيث يعتقد الفيلسوف الألماني الشهير آرثر شوبنهاور أنّ السعادة مجرد وهم، ولكي تكون الحياة محتملة فإنه يتوجب على الإنسان أن يخفض من سقف توقعاته؛ لأنّ الاعتقاد السائد حول السعادة أنّها تعني غياب الألم والإحباط ومتى ما تحقق ذلك فإنه يأتي فقط لفترة وجيزة جدًا مسببا ارتياحًا مؤقتا كمخدر يؤدي إلى زيادة رغباتنا، ومن ثم العودة إلى دائرة الملل واستنفاد الرغبات في الأخير، لذلك فإنّ شوبنهاور يقترح علينا أن نعيش الحاضر لكي يصبح الألم محتملا، وأن نستخدم عقولنا بشكل جيد، لأنّها الشيء الوحيد الذي تستطيع التحكم به، وأن تضع حدودا لغضبك ورغباتك وحبك للغنى والسلطة؛ لأن هذا قد يقربك من ذلك الشيء المسمى سعادة، وحاول أن تتقبل سوء حظك، ولا تبحث عن الثراء ومارس العزلة؛ لأنّ الآخرين سارقون للهوية والذات، ولا تتزوج وتجنب بني البشر قدر الإمكان.

تعليق عبر الفيس بوك