بوفيه العزاء..!!

يوسف البلوشي

في بلدتي سابقا كان يقام عقد القران وقت العصر ويمتد حتى قبيل صلاة المغرب، ويُكتفى فيه بتقديم أطباق الحلوى والقهوة.. امتد ذلك لسنوات طويلة حتى تغيّر الحال لتقام مراسم عقد القران بعد صلاة العشاء ولتتقارع فيه صواني الولائم والبوفيهات وتتنوع المشروبات الغازية والعصائر واللحوم المختلفة.

تابعنا عبر وسائل الإعلام المختلفة ولادة رغبة شعبية في وقف مد الترف بمراسم العزاء والزواج، والاكتفاء بتقديم المتيسّر من الضيافة حسب طبيعة المناسبة، وجاءت المطالبات والنصائح الملحة متناغمة مع دراسة من مجلس الشورى، ومحاولة من مجلس الدولة في عدم المبالغة والمغالاة في مظاهر العزاء والزواج، وخلصنا إلى نتيجة واحدة هي أنّ تنفيذ ذلك يحتاج إلى إرادة مجتمعية موحدة.

إنّ الأصل في العزاء هو الوقوف مع أهل الفقيد والتخفيف عليهم ومواساتهم؛ لا إرهاق جيوبهم، وتحميلهم ما لا طاقة لهم به. ألا يكفي أنّهم فقدوا عزيزاً إلى الأبد؟ وما طالهم من شجن وحزن جراء هذا الفراق، وإنما تتوجب العادات وتتمثل التقاليد في أخذ العزاء على مدى ثلاثة أيام، يتم خلالها صرف مبالغ هائلة لتقديم أفخم الوجبات للمعزين؛ من فطور، وغداء، وعشاء.. ليس هذا فحسب وإنما تتهافت بعض العائلات على عادات لم تكن موجودة في الماضي، حيث أخذت منحى غريبا فبعد أن كانت القهوة حاضرة المجالس أصبحت الجولة الآن للتمر والحلوى والفواكه، وتنصب الخيام وتقام المآدب بمذاقاتها وتملأ بما لذ وطاب، وتعقبها أنواع الشاي والقهوة ويدور فيها العطر والعود، وأدخل بعضهم البخور واللبان في تطييب الزوار والتعاقد مع المطابخ وفرش أبسطة الصواني والولائم ويمد سجاد الفواكه والخضروات ليصل الأمر إلى إقامة "البوفية المتنوع" بل يمتد الأمر أحيانا لطلب بعض الزوار وجبة خاصة تتناسب مع وضعه الصحي.

تستمر مناسباتنا في أخذ طبائع مختلفة مبالغ فيها واتجهت إلى مسارات الترف والفخامة، وأصبح لا يفرق بين حزنها وفرحها لتشابهها في الضيافة وإن كانت هذه المظاهر - أعتبرها شخصيا - وليدة اليوم إلا أن البعض يدافع عنها باستماتة ويبرر لها بأعذار ضعيفة؛ منها أنّ نعائم الله لا تُحصى ويجب إظهارها، وأنّ إكرام الضيف واجب وغيرها من العناوين والأسباب الواهية التي تساق.

وإن أسهبنا في العزاء لأنه يعتبر أحد الفضائل لكسب الأجر والحسنات ولأنه يقوم على الدعاء للمتوفي والترحم عليه وزيارة الأرحام والوقوف بجانبهم ومواساتهم، إلا أنّ ذلك لا يدعنا نغفل عن مظاهر الفرح والأعراس التي أخذت هي الأخرى مسلكا قائما على بسط المآدب من الصباح وحتى الليل في بعض المحافظات، وتقديم البوفيهات وأنواع الأرز والخضار والفواكه والعصائر التي لا طائل منها سوى إرهاق العريس ورفع مديونيته المالية؛ لينفض بعدها في مجابهة الديون والاقتراض، وهذا ينعكس حتمًا مستقبلا على سعادة الزوجين في الحياة واستمرارهما في مشوار الزواج.

إنّ قرار تقليص مظاهر الترف والضيافة والتقديم في العزاء والأعراس لا يحتاج إلى قرار حكومي بقدر ما يحتاج إلى إرادة شعبية ومجتمعيّة بعيدًا عن إطلاق الأحكام والاستحياء والخجل حيث إنّ المجتمع العماني الأصيل نموذج حر في مثل هذه المظاهر، ويستأنس بنا عدد من المجتمعات كوجه مقارنه إيجابي، لأن عمان بلد متعدد العادات والتقاليد الحسنة، وبالتالي يجب أن نظهر المظهر النموذجي والإيجابي الحسن الذي لا يرهق الإنسان ماديا، وأن نسعى جميعا لمحاربة العادات الضارة؛ ومنها عادة الترف والتبذير.

تعليق عبر الفيس بوك