صُحار تقرأ

أسماء القطيبيَّة

في أجواء لطيفة من مساء الجمعة الماضي، وفي إحدى الحدائق المطلة على البحر، أُقيم في صحار مُلتقى "اقرأ صحار"، من أجل تشجيع الأسر والأطفال في صحار وما جاورها من المناطق على القراءة؛ حيث شاركتْ في الملتقى عدة جهات خاصة وحكومية ومبادرات خاصة بالقراءة، والكثير من المتطوعين من الجنسين. وتنوعت الفعاليات بين فعاليات القراءة للأطفال التي قدمها متخصصون، ومعرض الكتب المخصصة للاستعارة للكبار، وفعاليات المسرح المفتوح...وغيرها. وكما هو متوقع، فقد حضر الملتقى ما يزيد على المائة أسرة من العمانيين والجنسيات الأخرى.

ومنذ التحضيرات الأولى للملتقى، كُنت أراقب أولئك الأشخاص الذين يعملون بجد وصمت. وفي كل مرة كنت أتساءل: تُرى ما الذي يدفع شابا لإنفاق ساعات طويلة من وقته للتحضير لفعالية ما، بينما كان بإمكانه أن يقضى هذا الوقت في التسكع مع أصحابه؟ وما الذي يدفع امرأة لديها ثلاثة من الأطفال لاقتطاع جزءٍ من الوقت الذي تقضيه مع أطفالها للمشاركة في عمل تطوعي؟ وأن يصبح هذا الأمر لكليهما أولوية يقدمان فيها الوقت والجهد والمال إن استدعى الأمر، بطِيْب نفس وخاطر. كنت أتساءل: هل الدافع الوحيد هنا هو رغبتهم في خدمة المجتمع؟ أم أن هؤلاء -أو بعضهم- لديه قصته الشخصية ودافعه الخاص؟ لا أدري بالتحديد ما الذي يُبقِي شُعلة الحماس لدى هؤلاء الشباب مشتعلة دوما، لكني أعتقد أنَّ حُبَّ الخير وخدمة الآخر فِطْرة في كل واحد منا تحتاج إلى من يُحركها.

في مُلتقى "اقرأ صُحار"، سعدتُ وأنا أرى الأطفالَ يحظون بفرص لم نحظَ بها عندما كُنَّا في أعمارهم. حيث لم تكن غالب الأسر تهتم بتشجيع أبنائها على القراءة خارج نطاق الكتب المدرسية، والأنشطة الشحيحة التي تقيمها المدرسة. أما المحظوظون منا، والذين نشأوا في أسر مُحبَّة ومشجعة للقراءة فكانت قراءتهم محصورة في كتب الكبار، تلك التي يفهمون بعضها ويستعصي عليهم فهم كثير منها. حيث لم تكن كتب الأطفال منتشرة كثيرا، ويتطلب الحصول عليها زيارة معارض الكتاب والمكتبات البعيدة. سعدت وأنا أشاهد الأهالي يختارون مع أطفالهم الكتب المليئة بالرسوم والألوان، ويشجعونهم على التفاعل والمشاركة، وكنت أردِّد بيني وبين نفسي: ماذا لو استمرَّ هذا الشغف وحب القراءة حتى يكبروا؟!

قبل سنوات، كُنَّا نشتكي من قلة المكتبات العامة وانعدامها في بعض المناطق، ومن صعوبة الحصول على الكتب الورقية التي نريد. حيث كان معرض الكتاب هو الفرصة التي لا تأتي إلا مرة في السنة من أجل اقتناء زاد سنة كاملة من المعرفة. أما اليوم، فقد أصْبَح الحصول على الكتاب أكثر سهولة من قبل؛ حيث تتوافر الآن مجموعة من المكتبات التي يمكن للقارئ التواصل معها إلكترونيا لتوفير الكتب التي يريدها والتي ترسل إليه عبر البريد. مكتبة "أراجيح" و"قراء عمان" مثالان ناجحان على هذه المكتبات. وإلى جانب ذلك، وفَّر الإنترنت مجموعة هائلة من الكتب الإلكترونية في مختلف المجالات، والتي لا يُتطلَّب الحصول عليها إلا نقرة زر، وهو ما لا يدع مجالا للشكوى من عدم توافر الكتب. أما المكتبات العامة التي توفِّر الكتاب والجو الهادئ، فلا تزال شحيحة، لكن زيادتها ستكون نتيجة طبيعية لمجتمع قارئ.

مُشاركتي في ملتقى "اقرأ صحار" أتاحتْ لي فرصة أن أكون أكثر قُربا من الأهالي الممتنين لمثل هذه الفعاليات، والذين كانوا يسألون ويناقشون بجدية واهتمام كبيرين. كما أتاحت لي هذه المشاركة أن أكون قريبة من الأطفال بمختلف فئاتهم العمرية، ألهمني الصغار ببراءتهم وصدقهم. الطفل الذي كان يستمع للقصص بشغف وحماس ونسي أنه يحمل رسومًا وألوانًا في يديه ألهمني. وألهمتني الطفلة التي جاءت لتسأل عن كتاب في كيفية التعامل مع الأطفال؟ لأنها كانت تريد تقديمه لخالتها. سيمضي وقت كبير قبل أن أنسى وجه هذه الطفلة المباركة وهي تحمل الكتاب بين يديها ككنز ثمين وتُغَادر. لا أريد لهذا الحماس أن يخفت ولا لهذا الإلهام أن يتوقف.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك