التعليم التقني والمهني.. أمل جديد

إيمان الحريبية

نسمع من هنا وهناك أحاديث وأطروحات متواترة عن تنويع القاعدة الاقتصادية أو القاعدة الإنتاجية الفعلية، والتحوُّل من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج وغير ذلك من أطروحات ومفاهيم اقتصادية؛ يخمن البعض ما تعنيه ويعرف مختصون آخرون معناها.

والأمر لا يحتاج نباهة وذكاء خاصين لتجاوز هذه المعضلة، بل هي ليست معضلة إلا حين تترك لعامل الوقت ومباغتات المصادفات، ولأن الأمم التي تريد تحقيق نهضة صناعية تقنية لتنويع قاعدتها الاقتصادية لا تراهن على الوقت وانتظار أن يجود الزمن بالقوى العاملة القادرة على إنجاز التحول نحو عالم صناعي تقني. بل تقوم بإعداد الكوادر المؤهلة والتي تلبي حاجة خطط التنمية إذ تنطلق النهضة ويرافقها صروح التقنية والمراكز الصناعية بتزامن مع إنشاء مراكز التدريب والتأهيل وهذا ما يتيحه التعليم التقني والتعليم المهني في السلطنة من خلال المراكز المنتشرة في المحافظات والتي تركز على تخصصات فنية مطلوبة نأمل أن نراها أكثر عمقًا من خلال تقديم هذه التجربة للمدارس وتقديم بعض الممارسات التقنية والمهنية للطلبة في المدارس حتى نغذي سوق العمل بكوادر فنية تحتاجها المشاريع التنموية والحيوية وتسهم في ذات الوقت في تحقيق قاعدة متينة للتنويع الاقتصادي المنشود والرؤية المستقبلية للتنميّة.

فلم تقم الصناعات والتقانات في الغرب والشرق إلا في إطار هذا التلازم لشبكة الأعمال المنتجة، إذ لم تكن ماليزيا ولا الصين ولا الهند ولا سنغافورة ولا البرازيل وقبلها جميعا العالم الغربي المتقدم سوى نتاج هذا التلازم لمساري الحواضن الصناعية والتقنية والقوى العاملة المطلوبة لها. وقد تتطلب الاستعانة بالخبرة الأجنبية مجدولة بوعي للزمن يشترط ولادة القوى الوطنية العاملة المالكة للعلم والمهارة العمليتين والتي بدورها ستكون خميرة قوى عاملة جديدة تحل محل الخبرة الأجنبية إلا فيما لا يتوافر أو يتطلب ضرورة الاستعانة بها وهذا نهج، كما قلنا، لا يغيب عن بال المخططين إذ أن دور وزارة القوى العاملة في رعايتها للكليات التقنية والمعاهد المهنية و مراكز التدريب وكذلك وزارة التعليم العالي فيما من خلال الكليات التطبيقية وغيرها وما تتيح البرامج في هذه المؤسسات من إحداث تنوع فعلي في القاعدة الاقتصادية، لأنّ عدم المضي في هذا الاتجاه لا يستنفد الوقت فحسب وإنما يحرم الوطن من كنز كنوزه وهم القوى العاملة، التي حين تشتبك بصناعة الاقتصاد فإنها تستثمر ميزات موارد الوطن النسبية من جانب وتخلق في الوقت نفسه منتجات سلعية لها أيضا ميزات نسبية قادرة على المنافسة من جانب آخر، وبالتالي تعميق التحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج.

وهذا يستدعي بكل تأكيد أن تكون الرؤية المستقبلية للاقتصاد الوطني واضحة فيما تريد أن تكون عليه البلاد في أفقها المنظور وفي أفقها الأبعد مدى، وأن تكون مرتكزات هذه الرؤية عينية علمية عند مؤسسات صناعة السياسات الاقتصادية فكلهم معنيون بإحداث هذا التحول وكلهم بكل تأكيد يسعون إليه، غير أنّ السعي يحتاج إلى المبادرة إلى ذلك دون تأخير، في عصر تتدافع فيه الأمم إلى أن تمتلك قوتها الاقتصادية المستدامة.

خلاصة القول، إذا ما سلّمنا بأهميّة هذا النوع من التعليم في توفير أساس المعرفة التقنية والمهارات وتوعية الشباب لأهميتها و تطوير المعارف التقنية والمهارات الأساسية عند القوى العاملة بجانب توفير مهارات مستدامة لتحسين القدرات المهنية والتقنية وخلق مهارات جديدة لتتناسب مع النمو الاقتصادي والاجتماعي، فإنّ التركيز على تطوير المؤسسات التي تقدم هذا النوع من التعليم وزيادتها وتنويع برامجها بما يحتاجه سوق العمل.

تعليق عبر الفيس بوك