المطر!

المعتصم البوسعيدي

المطر.. رحلة الغياب، موانئ الشوق، ورجاء الدعاء، المطر.. أغنية الذكرى، طرب الإيقاع، عذوبة الصوت المتدفق، المطر.. الفرح والحزن؛ نتيجة ردة الفعل، أو الفعل مع سبق الإصرار، مشاعر تتخالط كلما مرَّ هذا الجميل مثلما تتساقط حوادث الأيام وذكرياتها على أرض الرياضة وهمومها، على ذلك سأبحر مع المطر بطريقة مختلفة، وهمس يتردد بمسمعي "إن في ذلك لعبرة"، فهل من معتبر؟!

المطر فرصة استعادة الثقة في إمكانياتنا وقدراتنا، فمثلما أثبت المطر قوة المؤسسة المحلية المسؤولة عن تنبؤات الطقس، فإن ثمة مؤسسات رياضية يُمكنها أن تُكسبنا الثقة فيها، وثمة مواهب ورياضيون جديرون بالوصول لأعلى منصات التتويج، فقط سيرورة العمل والتخطيط السليم سيجعل من ذلك "خير" لا ينقطع سُقياه!!

المطر مجازفة وأرواح تزهق؛ بالتصرفات والسلوكيات الغير محسوبة من البشر لا المطر، كذلك لحظة الفوز والإخفاق سواء، تجعلان من البعضِ يتصرف ويتوعد ويتعهد، لكن جفاف لاحق يأتي فلا نرى وعيد "جارف" ولا وعد "خصب"، كلها حالة أوجدتها غصة حزن فانية أو حفلة فرح آنية، لذا وجب التأني والحرص على عدم العثرة -عثرة اللسان لا القدم- فالترميم ليس كالبناء، والبعيد المدى، ليس كالقريب المتلاشي، ولا يعني الفوز ببطولة الفوز "بالمعركة" النهائية!

المطر "فلاش باك"؛ بكاء على الإطلال، ابتسامة هاربة من زمن بعيد، تطواف الأيام الخوالي وصحب تناثروا فوق ثرى "المشاغل" أو تحت ثرى مرقدهم الأخير؛ عدد كبير من رياضيينا كالمطرِ الذي يُعيد لنا الذكريات، أين هم؟! كيف حياتهم بعد "نهاية الخدمة"؟!؛ الخدمة التي عليها "العين"!!؛ فجملة من اللاعبين غيبهم إعلام لا "يفتش" عنهم؛ ليظهرهم على شاشته وصحفه ومواقعه، وأعتقد هناك برامج بدأت تظهر لنا هذا الأمر ولا بأس أن نكون "طماعين" بزيادة!!

المطر فرصة للتآلف "واللمة" التي تضفي رونقا خاصا على وقع المطر، وملاعبنا عطشى من الجمهور الذي كلما حضر كلما أصبحت المقاعد زاهية "تسر الناظرين" لا نريد الجمهور كسحابة صيف؛ بل مواسم للفرحِ والبهجة، جمهور واع -أيضًا- لا تحركه الشجون ولا تستفزه العواطف ولا تجرفه العصبيات البغيضة، جمهور يتلاقى مع جمهور "البرنابيو" عندما قدم تحية للنجم الإيطالي "توتي" وهو يواجه فريقها الملكي قبل يومين في دور الستة عشر بدوري أبطال أوروبا، وقبل ذلك فعل ما هو أكثر مع "رونالدينهو وإكزافي" نجوم "برشلونه" منافسهم اللدود، الرياضة أمطار خير عندما نريد، ومياه عذبة يمكن تكديرها أيضًا، ويبقى الاختيار قرار تحدده ثقافة كل منا!

المطر كاشف رباني على إنسانيتنا الناقصة، على عقولنا كيف لها أن تستوعب أخطاءها؟!، وعلى قلوبنا كيف تتسع للجميع؟!، حتى الآن نعاني من أزمة تصريف مياه الأمطار، حتى الآن نشاهد تلكم الشوارع التي تضم البرك المائية نتيجة سوء الإنشاءات، حتى الآن نكرر إن الاحتراف في الرياضة ليس عنوان مجوف من المحتوى، بل هو الأثنين معًا، علينا تحديد الأولويات، ونقولها "بالفم المليان" العشوائية لا تقود لحقيقة ثابتة، لكن النداء لا يصل على ما يبدو حتى لا نقول "لا حياة لمن تنادي"!

المطر عشق المستديرة في صورة أطفال يركلون الكرة على زخاته، المطر هتاف المدرج "غيم يا غيم وانزل يا مطر، هذا أحمرنا ما يخاف الخطر"، المطر أمل التغيير الحالم؛ فالليل يعقبه فجرا، والشوك نهاية غصنه زهرا، والصمت حلاوة نطقه جهرا، وإيانا التعلل "بسوء الأحوال الجوية"، فإنما الضمير الحي يدرك الخير من قدر الله ليؤمن به.. وبالشكرِ تزداد النِعم.

تعليق عبر الفيس بوك