بَيْن أروقة الحي

سُلطان السُّعدي

تختلف أمزجة البشر باختلاف التوجهات والرغبات والغايات، كما تختلف ذائقة القراء بين ناقد ومؤيد ومحايد، وتبقى وجهات النظر متفاوتةً بين هذا وذاك، حتى على نطاق الرؤى الاجتماعية ومجالاتها وواقعها المعيشي، الجميع له حرية التعبير والرأي فيها، ولكن وفق حدود الهوية والثقافة والحقوق التي كفلتها القوانين والانظمة، إنَّ واقع الحياة اليومية وحراكها الاجتماعي والثقافي وما قد نعيشه ونراه من تفاصيل وأبعاد وظواهر اجتماعية مألوفة وغير مألوفة لدينا يحتم علينا التعاطي معها؛ ذلك بتعزيز الجانب الايجابي منها ونقله بصورته الحقيقية للأجيال المتعاقبة وهذا أمر ضروري، والحد من السلبي والذي لطالما كثر الحديث والنقاش عنه؛ وذلك وفق الطرق الملائمة والمناسبة وهو أمر واجب ومرجو، دائماً ما نحاول البحث والتقصي وتقريب عدسة المجهر لتحري المشاهد والتفاصيل التي تُعنى بالواقع الاجتماعي، متتبعين قضاياه التي من شأنها إن أهملت لسوف تحدث الكثير من التوترات الاجتماعية وتخدش الواقع المعتاد، وحتى نسهم في الحد منها نعمد جاهدين في إيجاد أفضل الطرق والوسائل التي من شأنها أن تحقق المبتغى وتعالج تلك القضايا الإنسانية بأسلوب يرقى لهويتنا ويعكس واقع ثقافتنا، محاولين طرحها على طاولة النقاش، متعاونين مع المعنين والمهتمين بهذا الجانب من أجل الإسهام في حلحلة أي قضية غير مقبولة تخص تلك الجوانب الحياتية، وكما نعلم جميعاً بأنه لا يكاد أي مجتمع في هذا الكوكب بأكمله يخلو من أي سلوكيات اجتماعية مرفوضة تعاكس اتجاه واقعه وطقوسه التي ألفها ونما عليها أفراده، فإنَّه من الطبيعي أن يسعى إلى مواجهتها والتصدي لها كل حسب طريقته وأسلوبه الذي يعتقد بأنه المناسب والموائم للحد من تلك السلوكيات، ثمة قضية باتت مزعجة ومؤرقة في أحيائنا وقرانا السكنية، قضية يمارسها ثلة من الفتية والشباب الذين هم في سن المراهقة، يتسببون بتصرفاتهم المؤذية في إزعاج الأسر المقيمة بتلك الأحياء السكنية؛ حيث نَرَى منهم من يرتدي ملابس غريبة الشكل والمنظر وفي معصمهم من الأساور أنواعا وأشكالا، مُلصقين ناقلات الصوت في آذانهم موصلةً عبر تلك الاجهزة التي هي بين يديهم (الهاتف المحمول)، عندما ترى تقليعات شعورهم الغريبة تكاد لا تعرف بأن هذا الشاب يحمل نفس الهوية التي نحملها، نعم لا أبالغ في ذلك، فتجدهم يمرحون وسط الأحياء السكنية وبين منازلها مشياً على الاقدام، متحولين بين ممراتها، غير مبالين بحرمة المنازل والأفراد وحرمة الطريق، يتسببون في إزعاج المارة خصوصا النساء، تاركين الأماكن المخصصة للرياضة والنزهة، متجاوزين تلك المبادئ والقيم الاجتماعية والثقافية التي عهدناها والفناها في حياتنا، البعض منهم يمارسون ذلك بغفلة من أهلهم، والبعض الآخر لم يجد الوازع والرادع الحقيقي الذي يمنعه من ممارسة ذلك السلوك غير السوي، إن استوقفتهم يتحججون بأنهم يمارسون رياضة المشي، وهناك منظر آخر استوقفني كثيراً حينما أجد من الشباب من يقتنون سيارات رياضية قديمة الصنع، مكشوفة السقف، يضعون عليها ما يسمى بـ"الزوائد"، يتعمدون إثارة الأصوات العالية التي تخرج مع عوادم سياراتهم أو مكبرات الصوت مُحدثةً الرعب في قلوب سكان الحي وأطفاله، يتقصَّدون المرور والتجول بين أوساط الأحياء السكنية بسرعة هائلة، تلك الأحياء التي تدب فيها الحياة التي اعتادت عليها الأسر العُمانية، وكما نعلم فإنَّ المجتمع العماني مجتمع محمل بالكثير من العادات والتقاليد، فنجد الزيارات الأسرية المتبادلة بين أفراده والتي يلتزم بها الكثير منهم، يُمارسها الرجال والنساء والأطفال؛ فالحياة في مجتمعنا المحافظ مليئة بالتواصل والتراحم والالتحام، يتحول الأفراد بين أروقة الحي وأزقته لزيارة أصدقائهم وأرحامهم وذويهم، فإذا ما نظرنا إلى أولئك الذين يعمدون التجوال وسط هذه الأحياء السكنية غير المناسبة لهم ولهواياتهم كما يزعمون، فإنهم يتسببون بسلوكياتهم الخاطئة والمربكة في التعدي على الآداب العامة وإحداث الكثير من الأضرار التي تمس حريات البشر، وكم خلفت هذه الفئة الكثير من القضايا والحوادث التي نعلمها جميعاً، ثم ما إن يأتى وقت المساء نجدهم يتخفون في أماكن مظلمة بين أوساط الحي وأطرافه، يسهرون ويتقهقرون طوال الليل لا نعلم ماذا تخفي تلك التجمعات واللقاءات والحلقات البشرية من أحاديث متداولة وممارسات، يزعجون الأسر الهاجعة، ويخلفون وراءهم الكثير من المخلفات التي تضر بالبيئة.

... إن الوقوف من أجل توعية وتوجيه هذه الفئة التي هي جزء لا يتجزأ من المجتمع أمرٌ بات ضروريا، وتعليم الأبناء والشباب في المدارس والمساجد...وغيرها من مواطن التربية والتعليم وعدم الانخراط في مثل هذه التجمعات غير المفيدة أمر في غاية الأهمية، لأنَّ إهماله يتسبب في ضعف الكثير من الجوانب المهمة، كما يجب على الأسر الحرص على ضبط البناء السلوكي لدى الأبناء وتقويم أفكارهم وفق المقبول، وعلى المؤسسات المعنية الوقوف على هذه الظاهرة ودراسة جوانبها، من أجل بناء جيل ملتزم بالأسس والضوابط الاجتماعية والثقافية، محافظ على إرث مجتمعه وهويته.

sultansalim2@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك