سلوكات في مدارس البنات

عيسى الرَّواحي

المرأة عمادُ الأسرة وأساسُ البيت، وهي الجامعة الكبرى والمؤسَّسة التربوية الأولى التي يتخرَّج على يديها الأبناء، وهي الجوهرة الثمينة التي يجبُ أن تظل مُصانة محفوظة، وكلُّ ما يُقال في شأنِها لا يفي حقَّها ولا يبلغ شأوها؛ لذا فإنَّ تنشئة البنت تنشئة صالحة منذ الصغر، وتربيتها على الأخلاق والفضيلة والعفة والاستقامة، وتعليمها أمرَ دينها ودنياها منذ نعومة أظفارها، أمرٌ حتميٌّ لازمٌ لا بد منه، وهي أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة يتحمَّلها أولو الأمر وكلُّ من له علاقة بهذا الأمر؛ لتكون أمًّا قادرة على تربية الأجيال وصناعة الرجال؛ والذي بدوره يؤدي إلى صلاح المجتمعات والأوطان، وصدق الشاعر إذ يقول:

الأم مدرسة إذا أعددتها...

أعددت شعبا طيب الأعراق

وبمقارنة عامة بين مدارس الذكور والإناث في وقتنا الحالي؛ فإنَّ الواقع يُثبت أنَّ الطالبات أكثر حرصا واهتماما ورغبة وحُبًّا في طلب العلم من الطلاب، ويَرَى كثيرٌ من التربويين أنَّه لا مجال لمقارنة اجتهاد ومثابرة الطالبات باجتهاد ومثابرة الطلاب، كما أن السلوكات المرفوضة ومخالفة لائحة شؤون الطلاب من قبل الطلاب أكثر بكثير من الطالبات، ولعل هذه ظاهرة عامة في جميع المدارس سواء داخل السلطنة أو خارجها.

ومع اعترافنا بالفارق الكبير بين واقع البيئات المدرسية للطالبات مع البيئات المدرسية للطلاب -سواء من الناحية الدراسية أو السلوكية- فإنَّه ومع تقدُّم الأعوام ووجود الطفرة الهائلة في وسائل الاتصالات والتقنيات الحديثة، وكثرة انتشار ذئاب البشر، فقد بدأت تنتشر مجموعة من السلوكات الدخيلة التي تتعارض مع قيم الدين الحنيف والعادات العمانية الأصيلة، في أوساط البيئات المدرسية بين الطالبات، وأصبحت بعض السلوكات والأخلاق المرفوضة تتوسَّع في الانتشار مُشكِّلة ظاهرة، لا حالات فردية في كثير من مدارس الإناث.

وحسب العينات التي قُمت بجمعها من مجموعة مدارس مختلفة؛ فإنَّ من أبرز تلك السلوكات المرفوضة التي بدأت تتوسَّع في الانتشار بين بناتنا الطالبات داخل البيئات المدرسية أو خارجها هي: اللباس غير المحتشم، والتبرج الممقوت، والصداقات الغريبة، والعلاقات المشبوهة، والألفاظ والحركات المخلَّة بالحياء، ودخول عالم الرياضة من حيث المتابعة والاهتمام والتشجيع، والاستخدام المفتوح المبالغ فيه للتقنية الحديثة، وما ينتج عنه من كوارث بشعة، وجروح دامية لا تندمل.

وإذا كان اقتناء الهاتف النقال واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في سنِّ الدراسة فيه من الخطورة الشيء الكثير على الطلاب، فإن خطره على الطالبات أشد ووباله أعظم، والقصص المحزنة والنهايات المأساوية التي تثبت هذا الواقع كثيرة وعديدة.

... إنَّ غرسَ العفة والحشمة والأدب والحياء في نفوس الطالبات منذ الصغر واجبٌ دينيٌّ، ومسؤولية وطنية لا بد منها؛ سواء داخل البيت أو المدرسة، وهي أمورٌ أسبق من التعليم وأولى وأهم؛ إذ لا قيمة للتعليم إذا نُزعت من صاحبه الفضائل والأخلاق، وكما يقول الشاعر:


لا تحسبن العلم ينفع وحده...

ما لم يتوج ربه بخلاق

نعم.. لا يجب التهاون أو التغاضي أو التقليل من شأن قيمة جميع فضائل الأخلاق عند الطالبات، خاصة تلك المتعلقة بصَوْن عِرْضِها وشَرَفِها وأدبها وحيائها، ولعلَّ التساهلَ والتهاونَ في سلوكات سلبية بسيطة هو ما يؤدي إلى التهاون في سلوكات أكبر، وإعطاء الثقة التامة للطالبة وتزكيتها في تصرفاتها كثيرا؛ مما يُؤدِّي إلى أمور لا تحمد عقباها، ولعله لا خلاف في أنه إذا فقدت المرأة أخلاقها فقد فقدت قيمتها كاملة؛ إذ الأخلاق والفضيلة هي الأساس في كل شيء يتعلق بها، فلا يُمكن أن نرى طالبة علم يُعتمد عليها، أو زوجة تُنشئ أسرة ناجحة، أو أمًّا مربية تبني رجالا، أو مُعلِّمة تُخرِّج أجيالا، ما لم تتوشح بوشاح الأخلاق الحسنة في جميع حركاتها وسكناتها، من أعلى رأسها إلى أُخمص قدميها، في أقوالها وأفعالها، ومظهرها ومخبرها.

وبما أنَّ الطالبة تقضي وقتا طويلا وأعواما عديدة داخل المدرسة، فقد وجب أن يُعتنى بالتربية الخلقية المستقاة من الكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة داخل المدرسة عناية فائقة، وأن تُعطى قدرا وافرا واهتماما واسعا، ويُبذل لأجلها الغالي والنفيس والوقت والجهد والمال، وألا يُسمح بأي تجاوزات أو سلوكات مرفوضة تكون داخل أسوار المدارس، وأن يكون التواصل والتعاون في أقصى درجاته بين المدرسة والأسرة في كلِّ ما يتعلق بسلوكات الطالبات، وما يقاس على مدارس التربية والتعليم يُقاس كذلك على المؤسسات التعليمية العليا.

وقبل ذلك كله، لابد أن تجد الطالبة القدوة الحسنة والأسوة الطيبة لها أينما حلَّت، خاصة في البيئات التعليمية والتربوية كالبيت والمدرسة؛ فممَّا يُؤسف له حقا أن تُدافع الطالبة في بعض الأحيان عن سلوكاتها المرفوضة أو تخليها عن بعض قيم الحشمة والحياء، بحجة أن أمها أو أختها الكبرى أو معلمتها تقوم بتلك التصرفات أيضا... والله المستعان.

issa808@moe.o

تعليق عبر الفيس بوك