حزب الله.. ليس منظمة إرهابية

زاهر المحروقي

المتابع لما تمّ نشره في الأسابيع الأخيرة عن دفء العلاقات والاتصالات بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية، لن يفاجأ أبداً بقرار دول مجلس التعاون، اعتبار "حزب الله" منظمةً إرهابية، وهو القرار الذي تبناه وزراء الداخلية العرب في اجتماعهم في تونس فيما بعد؛ فقد قطعت تلك الاتصالات شوطاً كبيراً وباتت شبه معلنة الآن، وينقصها صدور بيانات رسمية بهذا الشأن من جانب الدول الخليجية، بعد أن سربت إسرائيل أكثر من خبر حول لقاءات إسرائيلية مع أطراف خليجية في الرياض وأبوظبي وتل أبيب، حيث اعتبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى "أنّ الكشف المُتعمّد للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيليّ، يوم 28 فبراير 2016، عن زيارة وفد رسميّ إسرائيليّ رفيع المُستوى للرياض قبل عدّة أسابيع، ضمن سلسلة زيارات مماثلة للمملكة في الفترة الأخيرة، هو بمثابة تحصيل حاصل، "بعد أنْ تماهت المصالح الإستراتيجيّة بين إسرائيل والسعوديّة في قضية اعتبار التوسّع الإيرانيّ في منطقة الشرق الأوسط، تهديداً جديّاً لمصالحهما، وبات واضحاً أنّ مصالح الجانبين أصبحت مشتركة، كما بات أعداؤهما مشتركين".

جاء الإعلان الإسرائيلي عن هذه الزيارات واللقاءات، بهدف التمهيد للرأي العام الخليجي لنقل العلاقات القائمة سراً إلى المرحلة العلنية، وهي الرغبة التي تريدها إسرائيل منذ فترة طويلة ولا تتوانى عن تسريب أيِّ لقاء يتم بين مسؤوليها وبين أيِّ مسؤول عربي، مع الأخذ في الاعتبار أنّ الأخبار التي تنشرها إسرائيل تكون مدروسة بعناية وتمر على الرقابة السياسية والعسكرية؛ فالقيادةُ الإسرائيليةُ ترى أنّ فرصة الإعلان عن العلاقات الإسرائيلية الخليجية في ظلِّ التوتر الحاصل بين السعودية وإيران، والعداوةِ الشديدة "المزعومة" الآن بين السُّنة والشيعة مناسبة جداً في هذا الظرف بالذات، لقطع الطريق أمام إيران حتى لا تحقق أيَّ نجاحات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية بعد عودة إيران إلى المجتمع الدولي، فيما الحربُ ضد حلفاء إيران مستمرة في أكثر من جبهة في سوريا واليمن، والآن جاء الدور على حزب الله، وسط توتر العلاقات بين لبنان ودول الخليج، بعد إعلان السعودية قرارها بوقف المساعدات التي تبلغ أربعة مليار دولار عن الجيش وقوى الأمن اللبناني، ممّا فتح أبواب الهجوم على القرار، فاتهم نصر الله في خطاب يوم 1/3/2016، السعودية بارتكاب مجازر في اليمن "من خلال قصف مدارس ومستشفيات ومساجد وأسواق وقرى ومدن، والعالمُ بأسره صامت"، فيما اعتبر نبيل قاووق نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله القرار السعودي، أنه محاولة لتغيير هوية لبنان، و"إنّ الرياض يُمكنها شراء قرارات عواصم العالم الكبرى بمالها ونفوذها، ولكنها ليست قادرة على تغيير هوية لبنان أو جيشه"؛ لكنّ أطرافاً موالية للسعودية في لبنان، منها كتلة المستقبل النيابية اعتبرت أنّ الدور المتمادي لحزب الله في استتباع إدارات ومؤسسات الدولة والسيطرة على قرارها وتخريب علاقات لبنان الخارجية عموماً وعلاقاته العربية خصوصاً، أصبح يشكِّل خطراً حقيقياً على حرية وسيادة لبنان وعلى مصالح اللبنانيين في الداخل والخارج.

بعيداً عن النظرة المذهبية، وهي التي تحكم على الأمور الآن؛ فإنّ حزب الله، بعد النجاحات العسكرية التي حققها ضد إسرائيل، وبعد التطور الذي حققه الحزب في آلته العسكرية، كان لا بد أن تلجأ إسرائيل إلى تدميره، ولم تكن هناك أحسن وسيلة من ذلك إلّا أن يتم التدمير بأيدٍ عربية، وهي الخطة المنفذة الآن أيضاً في سوريا واليمن، وأمّا من يقول إنّ حزب الله هو الذراع الإيرانية في المنطقة، فأنا أظن أنّ الواجب الديني والوطني والقومي يفرض على الجميع أن يمد يد المساعدة لكلِّ من يقاوم إسرائيل، ومن المُعيب أن تكون المصالح العربية متفقة مع المصالح الإسرائيلية في عداء حزب الله أو حماس أو الجهاد الإسلامي أو أيِّ دولة تقف ضد إسرائيل، سواء كانت هذه الدولة سوريا أو إيران أو غيرهما، فالدعاياتُ المذهبية المغرضة التي تملأ الساحات العربية الآن بأنّ إيران هي العدو هي من تخطيط إسرائيل، وتنفذها وسائل الإعلام العربية بجدارة، وقد تجد صدى طيباً عند البعض من المسكونين بـ "إيران فوبيا" حتى تقع الكارثة، وعند وقوعها فلا يتم ربط الأحداث كسلسلة واحدة متصلة، لأنّ بعض العرب يدركون الحقائق متأخرين، ولنا في غزو العراق مثلاً.

لماذا تم تصنيف حزب الله منظمةً إرهابية؟، للإجابة على ذلك قد نحتاج إلى الرجوع إلى ما كشفه موقع (WALLA)، الإسرائيليّ الإخباري، في تقرير نشره في مارس 2015، اعتماداً على شهادات ضباط كبار في الجيش الإسرائيليّ، إذ كشف النقاب عن أنّ المؤسستين العسكرية والأمنية في إسرائيل وضعتا الحرب المقبلة ضدّ حزب الله على رأس جدول الأولويات، لأنّ الجيش الإسرائيلي أدرك أنّ حزب الله لم يعد مجرد "منظمة إرهابية". فحسب المُحلل أمير بوحبوط، أنّ الجنرال أفيف كوخافي قائد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) السابق، قائد المنطقة الشمالية الحالي أزال من قاموسه وصف حزب الله بأنّه منظمة إرهابيّة، وبات بتعبيرات مهنية يصفه بأنّه منظمة شبيهة بالجيوش، "إذ أصبح يملك أكثر من مائة ألف صاروخ تُشكّل تهديداً لإسرائيل، من بينها صواريخ تحمل رؤوساً حربية تزن نصف طن من المواد المتفجرة، إضافة إلى صواريخ أخرى يصل وزنها إلى 900 كيلوغرام"، هذا غير ازدياد عدد مقاتليه النظاميين والاحتياط، وهم يتحركون بموجب عقيدة قتالية بنيت في السنوات الماضية بهدف كسر دفاعات الجيش الإسرائيلي في البر والبحر والجو، إضافة إلى الحروب الإلكترونية التي لا تعرف أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مداها وفعاليتها والمستوى الذي بلغه الحزب إزاءها، كما أنّ العقيدة القتالية لحزب الله تتضمن كسر تفوق سلاح الجو من خلال ضرب الداخل الإسرائيلي لخلق بيئة رافضة للحرب وضاغطة على متخذي القرار في إسرائيل. وبحسب المصادر العسكريّة، - حسب الموقع الإسرائيليّ -، فإنّ حزب الله نجح في بناء منظومة اتصالات داخلية خاصة به، غير مخترقة، وتستخدم لنقل المعلومات، ناهيك عن منظومة متطورة لجمع المعلومات، وفوق هذا فإنّ حزب الله لم يُسقط من سلم أولوياته الحرب المستقبلية مع إسرائيل، الأمر الذي دفعه إلى تسخير موارده لبناء القوة والاستعداد لردٍّ واسعٍ في حال تجددت المواجهة.

ويرى الجيش الإسرائيلي أنّ قوّة حزب الله تتمثل في حجم الصواريخ التي يملكها، ويقدم موقع (WALLA) إحصائية دقيقة عن عدد هذه الصواريخ ومداها، فيقدِّر الجيش الإسرائيليّ أنّ "اليوم القتالي"، يعني أنّ الحزب سيطلق 1000 صاروخ يومياً لمدى قصير يصل إلى 24 كيلومتراً، و50 صاروخاً لمدى يصل إلى 250 كيلومتراً، إضافة إلى عشرة صواريخ بعيدة المدى تصل إلى ديمونا، الواقعة في جنوب الدولة العبريّة، وأنّ بإمكان حزب الله إحداث فوضى في الداخل الإسرائيلي، مع أضرارٍ هائلةٍ وأعداد كبيرة جداً من القتلى والمصابين. وأمام وضع كهذا لا بد لإسرائيل أن تأخذ كلّ الاحتياطات الممكنة، ولا بد من تدمير الحزب من الداخل، أو أن تتولى الدول العربية تدميره، بمنع مصدر التمويل الأساسي له وهو إيران، ممّا يجعلنا نطرح سؤالاً وهو: هل لو كان العرب قدّموا دعماً للمقاومات العربية، أكانت تلك المقاومات تلجأ إلى إيران؟ والسؤال التالي: أليس من حقِّ أيِّ مقاومة أن تبحث عمن يدعمها؟ ولو فرضنا أنّ العرب قدموا مساعدات للمقاومة العربية هل كان يصل حجمها إلى ما وصلت إليه قوة حزب الله الآن؟

يمثل السيد حسن نصر الله أهمية خاصة لدى الكيان الصهيوني، ويقول أمير بوحبوط مُحلل الشؤون العسكريّة في موقع (WALLA) إنّ محافل رفيعة في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، تصف نصر الله بأنّه شخصية واسعة الاطلاع، ليس فقط في ما يتعلق بالإسلام أو بالنظريات القتالية والعسكرية، بل أيضاً بالاقتصاد والتجارة والأسواق العالمية، وله الفضل في تحويل حزب الله إلى ما هو عليه الآن من قدرة وانتشار وتأثير، على حدّ تعبيره. ووفقًا لضابط إسرائيليّ وصفه الموقع بأنّه رفيع المستوى في الاستخبارات العسكرية؛ فإنّ نصر الله يُعّد خبيراً بمشاعر الجمهور الإسرائيليّ وتطلعاته وأسباب قلقه، لافتاً إلى أنّ نصر الله يقوم بالاطلاع على الأخبار والتعليقات الإسرائيليّة يومياً، بما يشمل كلَّ ما يُنشر في الصحافة العبرية، وتصل إليه تباعاً اختصاراتٌ عن سيرة حياة الشخصيات العامة في إسرائيل، يعمل على ذكرهم في خطاباته، للتأثير في وعي الإسرائيليين.

إنّ حزباً كحزب الله، و شخصية كحسن نصر الله، لا يمكن وصفهما بأنهما "إرهابيان"، في وقت انتشر فيه الإرهاب الرسمي وغير الرسمي المدعوم رسمياً من قبل بعض الحكومات، واتخذ هذا الإرهاب من الدين غطاء، فأصبحنا نرى يومياً ضحايا ذلك الإرهاب في مصر وسوريا وليبيا واليمن والعراق، ثم نقول إنّ إيران هي العدو!.

لقد حولت إسرائيل قول "حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل" إلى واقع حي، فبغير إطلاق رصاصة واحدة، سقطت كلُّ عواصم المقاومة والصمود، بأيدٍ عربية. وللزميل علي بن مسعود المعشني تغريدة رائعة تلخص الوضع، عندما غرد بأنه "إذا صنّفت دول مجلس التعاون حزبَ الله منظمةً إرهابيةً، فعليها إكمال "جميلها" والاعتراف بالكيان الصهيوني كدولة شقيقة وأنّ فلسطين لليهود المساكين"، وللأسف فإنّ هذا الجميل يبدو أنه لن يتأخر كثيراً.

تعليق عبر الفيس بوك