العمانيون: و"إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما"

د. سيف بن ناصر المعمري

في ظل الانحطاط الذي يسود اللغة السياسية والإعلامية والدينية والثقافية في المنطقة، أصبح القابض على قيمه ومبادئه كالقابض على الجمر، لأنّه ليس من السهل أن يكون الإنسان سليم العقل واللسان في مُحيط مجنون لا يكترث لأيّ شيء، ولا يعنيه هذا الدمار الذي تتعرض له المنطقة، ولا يعنيه وهو يغرق في الخطأ إلا أن يجرف آخرين معه، لا يريد أن يكون وحده قصير النظر، لا يريد أن تثبت الأيام أنّه لم يفقه من أبجديات السياسة في المنطقة إلا تلك التي يفقها طالب في المرحلة الابتدائية عن موضوع هو أكبر من مستوى إدراكه، ولذا علينا أن نحذر من آثار هذا الوساس النفسي المرضي الذي يعاني منه البعض من حولنا والذي يصرفه عن التفكير والتدبر في ما آلت إليه أموره ..إلى التفكير في الآخر الذي يرفض أن يكون جزءًا من حالة الجنوب الجماعي التي بثت الكراهية وتعمل على إرساء الفرقة، وتجند العشرات من أجل إطلاق تلك الرسائل السامة التي لا تجد لها آذاناً صاغية عند الشعوب التي لها أسس وقيم خلقية راسخة منذ عشرات القرون.

إنّ هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة هي من أسوء المراحل التاريخية على الإطلاق، ولم تفرز بعد كل نتائجها الفادحة، لأنّ الذين ساهموا في إشعال كل هذه الحرائق بدلاً من أن يعودوا إلى رشدهم يعملون يومياً على صب مزيدٍ من الزيت، وتأخذهم العزة بالإثم، ويطلقون استفزازات مُتعددة ومُتكررة من أجل جر الشعوب التي ترفض الكراهية والعنف والحرب، وتؤمن بأنّه في نهاية الأمر سيضطر الجميع للقبول بالحوار بعد أن يكونوا دفعوا ثمنا باهضاً، هذه الاستفزازات المُتكررة على مختلف الأصعدة لن تجدي نفعاً، ولن تخرجنا من إتزاننا وهدوئنا، لأننا حكومة وشعباً لا تزال تحكمنا تلك القيم الراسخة التي ورثناها جيلاً بعد جيل، وأصبحت أثمن ما نملك ولن نُفرط فيها تحت أيّ ظرف، أو في ظل أيّ استفزاز.

أذكر أنني كتبتُ مقالاً منذ سنتين حول الأوضاع في المنطقة، وعندما نشر المقال امتلأ بريدي الإلكتروني طوال شهر كامل، حيث أرسلت سلسلة من الشتائم التي لو ضمنت بعضها هنا الآن لاستغرب القارئ وتساءل هل لا تزال هناك عقليات في ظل الحداثة والانفتاح الذي طال العالم، تلجأ إلى هذا الأسلوب الذي يقصي الآخر، ورأيه واستقلاليته، ولكن أربأ بالقارئ وبهذه الجريدة أن تنشر على صفحاتها مثل هذه الكلمات "النابية"، وأربأ بالبلد الذي تصدر فيه هذه الجريدة حيث لم يعتد أن تنشر في صحافته وإعلامه ومؤسساته مثل هذه الكلمات، يومها كنت أمام خيارين إما التجاهل أو الدخول في حوار يتطلب صبرا كبيرا، لأنّ حوار من يرفض الحوار أمر صعب جداً، فجربت كلا الأسلوبين تجاهلت البعض، ودخلت في حوار مع أولئك الذين استخدموا لغة مبتذلة جداً وخاطبتهم بكلمة "أخي"، وكانوا يردون بكلمات أسوأ، وأنا لا أزال أخاطبهم بلغة الأخوة التي نخاطب بها الجميع في هذا البلد، لأننا لم نعتد أن نرد السيئة بالسيئة إنما ندفع السيئة بالحسنة التزامًا بتعاليم ديننا الإسلامي الذي هو منبع قيمنا ومصدر اعترافنا بالآخر واحترامنا له.

لن يُجبرنا أحد أن نخرج من جلباب الوقار بمُجرد كلمة، ومعركتنا الحقيقة هي الحفاظ على قيمنا ومبادئنا التي تحكم علاقتنا بالآخر، وأولئك الذين لا يزالون يعولون على استفزاز مشاعرنا وعواطفنا حتى يجعلونا نتعامل معهم بنفس أسلوبهم ولغتهم نقول لهم ألم تيأسوا بعد؟ عُمان بلد لا تخرج منه الشتائم ولا تنطلق منه دعوات الكراهية، والعُماني إنسان مُعتدل لم يعتد لسانه على اللغة البذيئة، وحين لا يدخل في سجالات مثل تلك التي تحاولون جره لها فليس انهزاماً إنما ترفعاً، وردنا عليكم دائماً هو ما جاء به الحق سبحانه وتعالى حين قال "وَإِذا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا" أي قالوا قولاً سديدًا، والجميع سوف يفهم معنى القول السديد عندما ينتهي كل هذا الضجيج، وتنتهي كل هذه المعارك العبثية، ويعود الناس إلى صوابهم، ويعرفوا أنّه كان خيرا لهم أن ينشغلوا بأنفسهم بدلاً من أن ينشغلوا بالآخرين، وأنّه كان أجد لهم الترويج للمحبة بدلاً من الترويج للكراهية، فالمحبة لم تحتاج إلا لكلمة صادقة لكن الترويج للكراهية تطلب عشرات الملايين من الدولارات، فأين العقل في ذلك؟.

تعليق عبر الفيس بوك