مشاهد من المعرض .. بعيدا عن الكتاب

زينب بنت محمد الغريبية

أُسدل الستار أمس على معرض الكتاب الدولي بمسقط 2016، عشنا فيه ومعه أيامًا كانت مليئة بالأحداث، مرَّت علينا العديد من الصور والمشاهد، كان النّاس يتهافتون على ارتياد أجنحة الكُتب، وكان من يُسمون أنفسهم بالمثقفين أو النخبة يتخللون الصفوف إما أنّهم عارضون لنتاجاتهم أو مصطنعون حب الثقافة والرقي الفكري، بعيدًا عن كل هذا الصخب، كانت عيناي تسقط على مشاهد تكشف لي ألا علاقة للكتب وما يرد فيها بتلك السلوكيات البشرية التي تبتعد كل البُعد عما تحمله الكتب من إنسانيات ودعوة للفضيلة أو العكس..

يتجسد أحيانًا معنى الإنسانية في مواقف تصدر بعفوية أصحابها تدلي بمعنى أن العالم إن وجد فيه السلبي فبكل تأكيد يوجد فيه الإيجابي البنّاء، فذاك منظر وزير يخوض صفوف المارة وكأنّه منهم دون تكلف ولا مُرافق، يعلِّق على صدره بطاقة مُشارك، ويجلس على طاولات المقهى المتواضع يأكل "الساندويتش" الذي يُباع فيه للعامة، ويشرب من قهوته العادية، مشهد قد نتداوله بالفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي لو شاهدناه لوزير من بلاد أجنبية، بالفعل لم نعتد على هذه المواقف من أصحاب المناصب في بلداننا، يدخل ليسلم على الجميع ممن يشاركون، ويقوم بمساعدتهم لو طلبوا منه رعاية سريعة لفعالية تُقام تلك اللحظة، وبدون تكلف ولا تردد، يُقدم الخدمة ويتعاون، لإبراز أهمية ما تقوم به دور معينة من أنشطة..

ومشهد آخر لأب يصطحب ابنته "مريم" ذات التسع سنوات لتختار ما تُريد من كتب للقراءة، وتقع عينيها على رواية للكبار، وعندما تدخلنا لنصرفها عنها والأب ينظر في صمت، ردت علينا:"أنا استطيع قراءتها وفهمها، فلا تستهينوا بقدراتي" وتهللت أسارير وجهها عندما علمت أنّ كاتب الرواية كان موجودًا وسيُوقع لها على الرواية ويأخذ صورة معها، والأب يُشجعها على شغفها للقراءة دون النظر إلى سعر الكتاب، وهذه طفلة أخرى بصُحبة أمها تتعلق بمجموعة قصصية إلا أنّ أمها ترفض شراءها كونها أغلى مما تتوقع الأم، مع أن سعرها في المتناول، في حين كانت الفتاة وأمها ترتديان ملابس غالية، وتحمل الأم حقيبة يد من ماركة غالية، ولكنها استكثرت على ابنتها قصة قد تستفيد منها في اكتساب قيمة أو سلوك ما.. فما بين المشهدين تجول كثير من التساؤلات والإجابات والقصص..

أما المشهد الشائك الذي كان بارزًا أن يمر الكاتب على كاتب وكأنّه لا يعرفه، ويمر من يسمي نفسه مثقفاً على مثيله وكأنه من كوكب آخر، بل يمر من جمعه موقف بواحد له إنجاز من كتب بالمعرض وكأنّه يراه لأوّل مرة، أهذه هي شيم هذه الفئة؟! هل تكون الفئة من أصحاب الأقلام والذين يدعون إلى الفضائل والمثالية ووحدة المجتمع وتآلف العُمانيين بهذا المستوى؟ إذن لماذا نحمل القلم ونكتب؟ لماذا ندعو للخير في كتاباتنا؟ فأين هي في قلوبنا؟ لم نكتم ابتسامة تقوي أواصر الإخاء في المجتمع؟ لم نخنق كلمة مباركة لشخص أنتج أو أنجز شيئاً؟ لنحيي الحياة الجميلة التي يدّعي العمانيون وجودها بيننا، ويتفاخرون بها أمام القاصي والداني..

الكتاب العُماني كان حاضراً والموقعون على إصداراتهم من العمانيين كانت أسماؤهم تتصدر مساءات المعرض، فالخوف من ركود الساحة العمانية الثقافية أصبح غير مُبرر، والإنتاجات متنوعة وفي تخصصات مختلفة، وتتجول في المعرض لجان شرائية تمثل مكتبات لمراكز أبحاث وجهات حكومية أخرى، كانت تبدأ بالجناح العُماني بتعليمات لدعم الدور العمانية، والكتّاب العُمانيين، لفتة جميلة وإن كانت تأخذ نسخاً محدودة بسبب سياسات التقشف، إلا أنّ البادرة لطيفة، ومشجعة، تحفز العماني للإنتاج والنشر،وإننا داعمون لك.

الشباب القائمون على شبكات التواصل الاجتماعي كانوا يعملون بكل طاقاتهم، كخلية النحل، تجدهم يعملون على تغطية هذا الحدث وذاك، ويلتقطون الصور هنا وهناك، بلا كلل أو ملل، ويبثون كل صغيرة وكبيرة على شبكات التواصل بكافة أنواعها، ويركزون على الكاتب العماني أو الفعالية العمانية، كانت الأخبار والصور تصل لكل مكان في عمان دون أن يحضروا المعرض، ربما لحب الشباب واستمتاعهم بهذه الوظيفة، التي تلامس الكثيرين من الشباب في عصرنا هذا..

ومع كل تلك المشاهد وغيرها التي ترتسم أمام عيناي،، عشقت الأطفال الذين قدموا لي خصيصاً لاقتناء مجموعتي القصصية الجديدة "أبي قابوس" وكثير من النّاس الذين قدموا خصيصًا لاقتناء آخر ما كتبت لأطفالهم نتيجة ما قرؤوا من مجموعات سابقة، والأجانب ممن حضروا المعرض من أمريكا وفرنسا وبريطانيا أتوا يبحثون عن المجموعة والتصوير معها، كان ذلك ما خفف من استيائي من كثير من المشاهد التي أسفت لها،، ووجدت فيها بصيص الأمل الذي دائماً ما أبحث عنه عندما أشعر بالسواد حولي ليقودني نحو الأمام بكل صبر وهمة وتحدٍ.. فلن تقف الحياة عند مشهد ألم أو مشهد قد نضعه من السلبيات المحفزة لإنتاج الإيجابية..

zainab_algharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك