تحديات إعداد المحتوى التعليمي الإلكتروني العربي

عبيدلي العبيدلي

في الفترة بين 1 - 3 مارس 2016 احتضن مركز دبي الدولي للمؤتمرات معرض ومنتدى التعليم الإلكتروني (GESS). وهو فعالية سنوية يلتقي فيها مجموعة كبيرة من الشركات التي تروج لمنتجات أو خدمات في هذا المجال، سوية مع نخب من المتخصصين في شؤون التعليم، وعلى وجه التحديد في إطاره الإلكتروني.

أثارت أنشطة الفعالية، والمنتجات التي عرضتها الشركات الكثير من القضايا والتحديات والصعوبات التي تواجه التعليم الحديث عمومًا، وشقه الإلكتروني على وجه الخصوص، على الصعيد العالمي، بما في ذلك المنطقة العربية وقبل تناول تلك التحديات والصعوبات التي تواجه التعليم الإلكتروني في المنطقة العربية، لابد من التأكيد على حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن العملية التعليمية حتى في إطارها التقليدي، تشكل تحدياً للمسؤولين عنها، نظرًا لما تحتويه من مُتغيرات مطالبون بغرسها ليس في عقول جيل الحاضر فحسب، بل في أذهان جيل المستقبل، وهذا يقتضي من القائمين على تطوير المناهج التعليمية/التربوية والعرب من بينهم بذل جهود مضاعفة ليس لإيجاد حلول لمشكلات الحاضر، بل لاستقراء متطلبات ما سوف تفرزه قيم المستقبل.

وقبل الخوض في تفاصيل تلك التحديات التي تفرضها عملية التحول من التعليم التقليدي إلى التعليم الإلكتروني في البلاد العربية ينبغي التوقف عند مجموعة من القضايا ذات العلاقة بالمفاهيم.

أول تلك القضايا هو الفهم الخاطئ المستشري في عقول صُناع القرار التعليمي العرب، وهو أن عملية الانتقال لا تتجاوز استيراد أفضل الأجهزة الحاسوبية، والاستعانة بأسرع وسائل الاتصالات، واستخدام أحدث المُعدات من سبورة ذكية، وآلات عرض متطورة. ورغم الحاجة الملحة لكل هذه "المكملات" لكن الأهم منها جميعًا هو المحتوى الذي ستحتضنه هذه الأجهزة من أجل مُعالجته قبل بثه على المنخرطين في العلمية التعليمية المميزات، أو عرضه على تلك المعادات.

ومن ثم فمن الضرورة بمكان الاتفاق على آلية بناء المحتوى التربوي/ التعليمي العربي، القادر على نقل العلمية التعليمية برمتها من إرسال وتلقي من حاضناتها التقليدية إلى أطرها الإلكترونية.

وهناك اليوم ثلاث مدارس تربوية عربية في قطاع التعليم الإلكتروني، فيما يتعلق بمسألة المحتوى التعليمي، لكل منها مميزاتها الإيجابية، ولكنها لا تخلو من الثغرات السلبية.

المدرسة الأولى، هي تلك التي تدعو إلى تحاشي ما تطلق عليه "إعادة اختراع الدولاب"، والمقصود هنا، عوضاً عن البدء من الصفر في بناء محتويات المناهج الدراسية، يمكن استيراد تلك الجاهزة منها، وخصوصًا تلك التي تغطي المواد العلمية والرياضيات. ففي ذلك الكثير من اختصار للزمن، وحفظ للجهود. مثل هذه المدارس تبحث عن الطرق السهلة/ السريعة، لكنها ليست بالضرورة الأفضل، خاصة وأن الأمر يبدأ بمواد العلوم والرياضيات، ثم تتناسل الذهنية "الاستسهالية" كي تصل إلى العلوم الاجتماعية، بل وحتى مواد اللغة العربية. ورويدًا رويدًا تطفو على السطح التناقضات الحضارية، والخلافات الثقافية، ويصبح الوقت متأخرًا لتلافي هذا الخطأ البنيوي في العملية التربوية.

المدرسة الثانية هي الأخرى تذهب إلى الطرف الأخير من رفض كل ما هو "أجنبي"، وتصر في حالة من العناد غير المُبرر تربويا على أن يكون كل شيء محلياً، وتطالب بإغلاق الأبواب في وجه كل ما انتجه الآخرون، دون بذل أي جهد يُذكر للتمييز بين ما هو غث، وآخر سمين. ومنطق هذه المدرسة، فيما تذهب إليه هو التشكيك في كل ما هو قادم من الخارج، وتشدد على الاكتفاء في استيراد الأجهزة والمعدات من الخارج، وحصر عملية بناء المحتوى في القدرات الذاتية المحلية، دون النظر في قدراتها أو المهارات التي بين يديها. والحديث هنا يتجاوز أوعية المعلومات التقليدية، كي يشمل أيضًا تلك الإلكترونية، على مستوى جميع دورة صناعة المعلومات بما تشمل من: حصر، وتجميع، وتخزين، ومعالجة، وبث، وإعادة تلقي.

المدرسة الثالثة هي التي تمزج بين المدرستين، فمن جهة هي تدرس بعناية ما وصل إليه الآخرون، والحديث هنا محصور في المحتوى فحسب. مثل هذه القراءة تأخذ في الحسبان كل جوانب إعداد المحتوى الإلكتروني كي يأتي مناسبًا لطرفي العلاقة التعليمية: الطالب والمدرس في آن، وتنطلق من هذه القراءة في تقويم مواردها البشرية المحلية من جميع الجوانب التي تتطلبها عملية إعداد المحتوى الإلكتروني، ثم تسكب هاتين الكفاءتين: المحلي والأجنبي في الإناء الحاضن المُناسب لهما القادر على توفير مقومات الإبداع التي لا يستغني عنها أيّ محتوى إلكتروني معاصر. هذه المدرسة هي الأفضل والأجدى من الجوانب كافة. فمن جانب هي تتحاشى هدر الطاقات، وتبذير الأموال، وإضاعة الوقت، ومن جانب آخر تستفيد من قدراتها المحلية المتوفرة، وتهيئ تلك التي لديها القدرات والمواهب والرغبة في التحول مما هو تقليدي إلى ما هو إلكتروني.

لكن ذلك لا يعني أن هذه المدرسة التي تسعى للانتقال من الحالة التقليدية الراهنة إلى تلك الإلكترونية المستقبلية لا تواجه الكثير من التحديات التي يمكن رصد الأه بينها في النقاط التالية:

-تخلف الخدمات التي تقدمها شركات الاتصالات العربية. فمهما بلغت البنية التحتية لتلك الشركات من تطور، لكنها ما تزال محكومة، عندما يتعلق الأمر بتلك الخدمات التي يحتاجها التعليم الإلكتروني غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، دع عنك المتطورة.

-عدم جاهزية المدرس العربي كي يكون قادرًا على مواكبة المستوى "التقني" الذي يتمتع به تلامذته، قبل طلابه، الأمر الذي يخلق "فجوة" بين الإثنين تعرقل عملية الانتقال من التقليدي إلى الإلكتروني.

-التكلفة المادية المضافة، والتي تكون باهضة في بعض الحالات، والتي تشمل تأمين خطوط اتصالات كفؤة، واقتناء أجهزة متطورة، وشراء المعدات اللازمة والأخرى المساعدة، وما تضيفه من أعباء مالية تتطلبها شؤون المحافظة عليها وصيانتها.

تعليق عبر الفيس بوك