اللقاء السنوي لكتاب "الرؤية" يناقش سبل الخروج من الأزمة الاقتصادية دون تأثر خطط التنمية

المشاركون يقترحون تقليص نسبة الفائدة تدريجيا والحد من استنزاف الأرباح في الأسواق الناشئة

< الطائي: التحديات الاقتصادية والاجتماعية تستدعي اصطفاف واتحاد الجميع لتجاوزها بسلام

< العبيدلي: ضعف الإنتاجية وشيخوخة المجتمعات وتراكم آثار الأزمة المالية.. عوامل تعرقل معدلات النمو

< كُتاب "الرؤية" يثرون اللقاء الدوري بمناقشات ومداخلات تتناول هموم المواطن وترسم ملامح مستقبل الوطن

جاء اللقاء السنوي لكُتَّاب "الرُّؤية" هذا العام تحت عنوان "الأزمة الاقتصادية.. الحلول والمقترحات"، وأثرى الكُتَّاب المشاركون المناقشات حول أسباب الأزمة والنتائج المترتبة عليها. مؤكدين أنَّ الخروج منها يحتاج لإدراك جمعي لكيفية التعامل مع المعطيات المتاحة بصورة صحيحة وشفافة، ووضع خطط وإستراتجيات تساهم في التقليل من آثار تلك الأزمة دون الإضرار بمشروعات التنمية في مختلف المجالات، أو إعاقة جهود التطوير الإداري والصناعي في القطاعين العام والخاص.

وشهدتْ الندوة حضورَ عددٍ كبيرٍ من الكُتَّاب والأدباء والمحللين السياسيين الذين يُداومون على الكتابة في صفحتي "رأي" و"رؤى" بالجريدة، إلى جانب عدد من القراء وأصداقاء "الرُّؤية"، الذين تُعوِّل عليهم الجريدة كثيرا في تحليل الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية محليًّا وعالميًّا، والمساهة بابتكار حلول للمشكلات والأزمات التي يشهدها المجتمع في مختلف المجالات. وقد حقَّقت صفحتا "رأي" و"رؤى" المنتظر منهما من خلال تقديم صورة حقيقيه للأحداث، والبحث في كواليس القضايا المختلفة بحيادية واعية.

الرُّؤية - مدرين المكتوميَّة - مُحمَّد قنات

تصوير/ راشد الكندي

وفي بداية اللقاء، رحَّب المكرَّم حاتم الطائي رئيس تحرير جريدة "الرُّؤية"، بكُتاب الرأي والضيوف من داخل وخارج السلطنة، وأثني على اهتمامهم وحرصهم على حضور اللقاء، وكذلك المداومة على الكتابة والبحث والتقصي عن المعلومات، حتى يجد القارئ كل ما يبحث عنه في "الرُّؤية"، كما أثني على جهودهم الظاهرة من خلال تنويع كتاباتهم عن القضايا التي تهم مستقبل الوطن والمواطن، وهو نهج اتخذته "الرُّؤية" ضمن سياساتها التحريرية التى دائما ما تهتم بما يخدم المواطن. لافتا إلى أنَّ أهم ما قدمته "الرُّؤية" منذ تأسيسها هو التوجه بقوة إلى نهج "إعلام المبادرات"، الذي جاء عن قناعة تامة بأنَّه ينبغي على الجميع أن يعملوا على نشر مفهوم المسؤولية المجتمعية، من باب خدمة الوطن ورد الجميل إليه، فكل إنسان مسؤول عن التنمية من منظور المواطنة. وفي سبيل ذلك، نظمت "الرُّؤية" ندوات كثيرة، إلى جانب تقديمها عددًا من الجوائز في الاقتصاد وريادة الأعمال ومبادرات الشباب، وكلها ولله الحمد حققت نجاحًا كبيراً. وأكد الطائي أنه من الأمور الجيدة في تلك الظروف أن يحرص كُتَّاب الرُّؤية على اللقاء الدوري.. مشيرا إلى أنَّ تسارع الأحداث يُمكن أن يساهم في جعل لقاء الكتاب يعقد على فترات متقاربة من أجل التحاور والتشاور وتقوية العلاقات بين الكتاب والجريدة.

إصدارات جديدة

وأضاف المكرَّم حاتم الطائي بأنَّ اللقاء تصادف أن يعقد بالتزامن مع ظهور إصدار جديد بمعرض مسقط الدولي للكتاب يضم مجموعة مقالات له، والتي نشرت خلال الفترة الماضية، إلى جانب إصدار آخر يحمل عنوان "إعلام المبادرات" الذى يتضمَّن شرحا لمفهوم المبادرات، ونأمل أن ينتهج العاملون في مجال الإعلام بالسلطنة سبلا جديدة تتواكب مع مقتضيات الظروف الحالية، وأن يتفاعل الإعلام مع هموم ومشكلات المواطن عن طريق الآليات المتاحة، وأن نبذل جهودا حثيثة ونسخر طاقاتنا لنشر ثقافة إعلام المبادرات، ونعمل على تشجيع المواطنين لكسب المزيد من المعارف من خلال القراءة والاطلاع، ويجب أن ينهض الجميع لأداء رسالته وواجبه كل في مجاله ووفق قدراته. وتابع بأنَّ عام 2016 يعد من أصعب السنوات على العالم العربي بصورة عامة في ظل ما يشهده من حروب واقتتال، إلى جانب الإستراتيجية الأمريكية التي تعمل في تناغم كبير مع إسرائيل، ونحن ككتاب رأي يجب أن ننشر الوعي ونلفت الانتباه إلى هذه المخططات، والمهمة تكمن في صناعة الأمل في العالم العربي، إلى جانب تقديم النقد البناء الذي يُمكن أن يُقدِّم الحلول، وأن نبتعد عن النقد الذي يفقد المواطن الثقة في بلده ومجتمعه الذي يعيش فيه، ويجب أن نبتعد كذلك عن كل ما هو هدَّام، وأن نتبنَّي الأفكار البناءة التي تقدم الخدمة للوطن، خاصة وأنَّ هنالك تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية تستدعي منا أن نتحد حتى نتجاوزها بسلام، وهذه التحديات تمثل عائقا حقيقيا في مسيرة التنمية، كما أنَّ هذه التحديات تلعب دورا كبيرا في زعزعة الكيان الاقتصادي والاجتماعي للبلد، ومن هنا كان علينا أن نقف ونحارب بكل ما نمتلكه من أدوات ومعارف للقضاء على كل ما من شأنه أن يكون عائقا؛ فكلُّ الدول المتقدمه مرت بأزمات كبيرة، إلا أنها وضعت لنفسها إستراتيجية واضحة وخطة مدروسة لتحقيق التقدم والنمو والازدهار، وهذا ما يجب علينا القيام به، خاصه فيما يتعلق بتضافر الجهود.

كوكبة نيرة

وقال الكاتب عبيدلي العبيدلي إنَّ صحيفة "الرُّؤية"عوَّدت كوكبة كتاب أعمدتها على أنْ يلتئم لقاؤهم السنوي تزامناً مع انطلاق أعمال معرض مسقط الدولي للكتاب. ودأبت على اختيار محور للقاء يتم النقاش والتحاور حوله وتقديم الآراء بشأنه، ولقاء هذا العام يركز على المستقبل الاقتصادي للبلاد العربية، تحت عنوان "طبيعة الأزمة الاقتصادية العالمية"، والعلاقة التي تحكمها سلبا أو إيجابًا بمسار الاقتصاد العربي ومستقبله المنظور الذي يترقبه، وهذه اللقاءات التي تنظمها "الرُّؤية" تعد بالنسبة لي من أسعد المناسبات لما فيها من إثراء معرفي مع كوكبة نيرة من الكتاب يجمعون بين الخبرة والشباب.

وقدم العبيدلي محاضرة حول تشخيص عام للأزمة الاقتصادية، وتساءل: هل هي مجرد أزمة عارضة كما تصورها بعض الأقلام الغربية، بل وحتى العربية، أم هي بنيوية وتمس صلب النظام الاقتصادي المعاصر. وأضاف بأنَّ ما يشهده النظام الاقتصادي العالمي من عثرات هي في جوهرها ليست سقطات مالية أو تجارية، بل هي بنيوية المصدر، كما تشير بعض الاجتهادات الموثوقة إلى الانخفاض المفاجئ في أسعار نوع أو أكثر من الأصول، وبما أن الأصول هي إما رأس مال مادي يستخدم في العملية الإنتاجية مثل الآلات والمعدات والأبنية، وإما أصول مالية، هي حقوق ملكية لرأس المال المادي أو للمخزون السلعي، مثل الأسهم وحسابات الادخار مثلاً، أو أنها حقوق ملكية للأصول المالية، وهذه تسمى مشتقات مالية، ومنها العقود المستقبلية. واستشهد البعض لتأكيد بنيوية الأزمة بما قاله الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد موريس أليس، قبل ما يزيد على عقدين، حين أكد على أن سبيل الخروج من الأزمة الهيكلية التي يشهدها الاقتصاد العالمي الأزمة المضاعفة (المديونية والبطالة) هو اتخاذ خطوة جذرية تقوم على تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر، ومراجعة معدل الضريبة إلى ما يقارب 2%. وقد أيده في هذا الاتجاه الرئيس الفرنسي الأسبق حين دعا إلى تضافر جهود المؤسسات الاقتصادية العالمية من أجل الخروج من أزمتها التي أوصلتها إليها طبيعتها الجشعة المتوحشة بالقول: حان الوقت لجعل الرأسمالية أخلاقية بتوجيهها إلى وظيفتها الصحيحة، وهي خدمة قوى التنمية الاقتصادية وقوى الإنتاج، والابتعاد تماما عن القوى المضاربة.

وأوْضَح العبيدلي أنه يجب المسارعة إلى وضع حد لأسباب الأزمة، وأورد ما جاء على لسان مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد، وتحذيرها من أن الوضع الاقتصادي سيكون مخيبا للآمال في العام المقبل، لكون القطاع المالي ما زال يعاني من مواطن ضعف في العديد من البلدان، والمخاطر المالية تتزايد في الأسواق الناشئة. كل هذا يعني أن النمو العالمي سيكون مخيباً للآمال ومتفاوتاً في 2016، حيث لا يزال ضعف الإنتاجية وشيخوخة المجتمعات وآثار الأزمة المالية العالمية كلها عوامل تكبح النمو مما أضعف توقعات المدى المتوسط.

مداخلات مثرية

وجاءت المداخلات والنقاشات ساخنة من جانب الحضور من الكتاب، وتركزت في مجملها على تشخيص الواقع، وبحث أسباب الأزمة الاقتصادية الراهنة، وسيناريوهات تطورها، ومدى تأثير الاقتصاد العربي فيها، وتأثره بتداعياتها، وسلط بعض الكتاب المشاركين المزيد من الأضواء على الأسباب الكامنة وراء الأزمة التي تكاد تقود العالم إلى حافة الهاوية، مستعينة في ذلك ببعض الأرقام الصادرة عن مؤسسات مالية موثوقة مثل البنك الدولي والمنظمات المتفرعة منه، أو المتعاونة معه، فأوردت تلك المداخلات مجموعة من الأرقام والإجراءات يمكن حصر الأهم من بينها في النقاط التالية: منح المقترضين قروضًا بدون ضمانات كافية، وبمخاطر كبيرة مقابل سعر فائدة أعلى (عوائد ربوية أكبر)، وبلغت تلك القروض نحو 1.3 تريليون دولار في مارس 2007. وبلغ حجم القروض المتعثرة للأفراد نحو مائة مليار دولار، كما أن توسع المؤسسات المالية الكبرى في منح القروض للمؤسسات العقارية وشركات المقاولات زادت عن سبعمائة مليار دولار.

وتناولت المداخلات لجوء الكثير من الشركات العقارية إلى تسريح عدد كبير من موظفيها، ومن بين هذه الشركات شركة (Countrywide)، كبرى مؤسسات القروض العقارية في الولايات المتحدة، التي قررت تسريح خمس موظفيها بواقع 12 ألف وظيفة لمواجهة نحو 1.2 مليار دولار من الخسائر، إلى جانب حالة الانقسام الطبقي الحاد بين طبقة رأسماليةٌ تسيطر على أكثرَ من (%95) من ثروات البلاد ويملكها (%2) من السكان، وأخرى كادحةٌ فقيرةٌ تشكل (%5) من ثروات البلاد ويملكها (%98) من السكان، وكذلك ارتفاع أسعار الأسهم والتضخم، إضافة إلى الإنفاق الكبير على الحروب وزيادة الإنفاق العسكري؛ مما أدى لقلة الإنفاق في مجال التنمية وتوظيف الاقتصاد في خدمة الأهداف السياسية والعسكرية بدلا من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والفساد الإداري والمالي وظهور الكثير من عمليات النصب والاحتيال حول العالم.

حلول مقترحة

وخلصت الجلسة الحوارية -التي وجدت تجاوباً وتفاعلاً كبيراً من قبل الكُتَّاب- إلى تسليط الأضواء على مجموعة من الحلول المقترحة من لدن المؤسسات المالية ذات العلاقة من بينها وتقليص نسبة الفائدة بشكل تدريجي ودعم الإنتاج الحقيقي القائم على العمل والجهد المادي أو الفكري ودعم المصارف، إلى جانب وقف نزيف خروج الأموال من الأسواق الناشئة.

تعليق عبر الفيس بوك