محاربة الفساد بالشفافية

مدرين المكتومية

جاء المؤتمر الصحفي الذي عقده الادعاء العام بهدف الكشف عن "إحصائيات القضايا المحالة للادعاء العام والتي باشرها في 2015" ليُعزز أهمية الشفافية في المجتمع، كظاهرة صحية وحضارية في نشر المعلومات الموثقة من مصدرها الأصلي.

والمتأمل في الأرقام والإحصائيات الواردة يلحظ التراجع في نسبة الجريمة في بلادنا، حيث إنّ مؤشر مجموع القضايا الواردة خلال عام 2015م انخفض انخفاضًا ملحوظًا إذ بلغ (41072) قضية، فيما وصل العدد في عام 2014م إلى (45306) قضايا، أيّ أن هناك انخفاضاً قدره (4234) قضية، وبنسبة انخفاض (9.3%) عن العام الماضي، وهو أمر مُبشر بالخير.

ولا يقتصر عمل الادعاء العام على مُتابعة المُجرمين والتَّحري عنهم داخل السلطنة فقط، بل يمتد إلى التعاون مع دول الجوار ودول العالم الأخرى للكشف عن مكامن الفساد والوصول إلى أيّ هارب من العدالة.

وقد تطرق المؤتمر الذي نظمه الادعاء العام للحديث عن قضايا الفساد التي باشرها بإسناد من الجهات الأمنية والرقابية وذلك بالتحقيق فيها خاصة في قطاع النفط والغاز، بعد أن لوحظ انتقالها من مشروعٍ لآخر، ومن مؤسسةٍ لأخرى، ومن قطاعٍ لآخر، في سبيل محاصرتها والقضاء عليها قبل أن تتفشى وتصبح واقعاً اجتماعياً واقتصادياً تصعب السيطرة عليه.

وكشف المؤتمر عن رصد قضايا فساد في عدد من الوزارات والشركات والمؤسسات الحكومية، التي تطاول عدد من أفرادها الذين لا يمتلكون حس المسؤولية على المال العام.

ولأنّ السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، لابد من تقوية الرقابة على الموظف العام عبر وضع محددات لدوره ووظيفته وحدود سلطته، عبر آلية منظمة، وليس معنى ذلك أن تكون دولة رقابية بوليسية لكن اللوائح التي تعطي الحقوق يجب أن تحدد الواجبات وآليات أدائها. ولو كانت هناك رقابة على الموظف العام لما تفاقمت قضية الرشا التي ظل يحصل خلالها موظف حكومي لمدة سنة كاملة دفع خلالها الراشي 21 ألف ريال عماني شهرياً، وكأن المرتشي استحل هذه الرشوة كراتب شهري وحق من حقوقه، وكان اكتشافه بسبب انتقال الموظف إلى دائرة أخرى مما أوقف الرشوة التي كشفت الستار عن فعلته المشينة.

خلاصة القول أننا بحاجة لمزيد من الشفافية، في كافة المجالات، والكشف عن قضايا الفساد بكافة أنواعه سوى كان فساداً إدارياً أو مالياً، وهناك أيضاً دور ملقى على عاتق الأسر يتمثل في تعزيز قيم وعادات المجتمع العماني التي تقوم على الصدق والأمانة، التي يتميز بها المجتمع العماني الذي من سماته التسامح والإخاء، وعدم الاعتماد في تربية الأبناء على عاملات المنازل، اللائي قد تختلف عاداتهن وتقاليدهن عن عادات المجتمع العماني.

الشفافية والكشف المُبكر عن الأخطاء يسهم في سرعة علاجها، ولكن في الوقت ذاته لا ينبغي أن نتعامل مع الإعلان عن الجرائم والقضايا على أنّه وسيلة للتشفي أو وسيلة لجلد الذات، لأنّ هذا ما قد يردع المسؤولين عن الإفصاح عنها، علينا أن نستقبل الكشف عن القضايا وخاصة قضايا الفساد في حدودها واعتبار الكشف عنها وسيلة للردع، وعلى عكس ما يقال بأن كثرة قضايا الفساد تضعنا على رأس قائمة الفساد في المنطقة فإنّ الكشف عن هذه القضايا يجعلنا الأكثر شفافية ومكافحة للفساد، ولينظر المُنتقد لعدد ومستوى قضايا الفساد التي تطال المسؤولين في البلاد حولنا ليعرف أنّه لا أحد لدينا فوق القانون.

madreen@alroya.info

 

تعليق عبر الفيس بوك