المخدِّرات.. هاوية مظلمة

سُلطان السَّعدي

المخدرات.. القضية الإنسانية التي باتت تؤرق وتشغل اهتمام الكثير من دول العالم في آلية القضاء عليها، قضية تهدد البشرية جمعاء من عظم ويلاتها وخطورة آفاتها، إنها الخطر الساحق بحق الذي يهدد كيان الامم ومستقبل أبنائها، الخطر الذي يهدف الى إسدال الستار عن الكثير من القيم والاخلاق والمبادئ الانسانية السمحة، قضية يهدف عملائها ومناصروها الى القضاء على الإنسان والسطو على ممتلكاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والخلقية مستهدفين الجوانب التي يسعى إلى بنائها وإكمالها بغرض إيجاد بيئة تكفل له الاستقرار، تلك البيئة التي تحتويها الطمأنينة والرضا والأمن والتي تهيئ له المتطلبات الأساسية واللازمة التي تحقق له رغد العيش وهنائه، لقد وجب على أقلامنا أن تنذر بالأخطار المترتبة والآثار الناتجة من هذه الآفة الخطيرة، وأن تلامس تفاصيلها وتتناول أبعادها وزواياها وأهدافها.

لقد جذبت المخدرات الكثير من فئات المجتمع وشبابها فانزلقوا في هاويتها المظلمة دون تفكير وعقلانية مسبقة، تحت مسمى الحرية الشخصية والتقدمية، غير مدركين العواقب التي تنتظرهم والأضرار التي تهاجمهم، انصاعوا لأوامر جماعات مسوّقة لهذا السم الفتاك والمشكلة الإجرامية في حق البشرية جميعها، التي تعمل على تعطيل وشل الإدراك والإحساس لدى الفرد وجعله مستعبداً خاضعاً لأولئك المتجردين من كل مشاعر الرحمة ومفرداتها؛ سواء أكانوا مروِّجين أو تجارَ مخدرات يهدفون للثراء وجني الأرباح الطائلة بطريقة غير مشروعة، كل ذلك على حساب الشباب الواعد والفئات المستضعفة، مستقصدينهم في الفكر، موجهين مبتغاهم لإيقاف عجلة التقدم ورقيها، حالمين بأن يتحلل الأفراد من روابطهم الاجتماعية، متوحشين غير مبالين بأسرهم ومجتمعهم، بغية الوصول إلى تلك السموم الضارة والعقاقير المدمرة، بعيدين عن العمل والبناء والإنتاج، مما يؤدي بهم إلى خسران وقتهم وطاقتهم وصحتهم وأسرتهم من أجل جرعة قاتلة. كما يهدف أولئك الغاوين إلى النيل من حريات البشر وثقافتهم وكرامتهم وأديانهم ومعتقداتهم وتعطيل كافة قدراتهم العطائية والإنتاجية، إنهم يجدون في هذه الجرائم المحظورة دوليا وفي هذا السوق غير المشروع والحقل الفاسد عدة عوامل مساعدة ومساندة تمكّنهم من تسويق سمومهم، تتمثل في المغريات التي يتقبلها بعض الأفراد الذين يحملون نفوساً ضعيفة يحنيها الإغراء ويكسرها الإغواء، مستغلين الظروف المعيشية والخلافات الأسرية في أوساط بعض الأسر، والتي تعمل على تهيئة البيئة المناسبة وتتيح الفرصة لانتشار وتعاطي وبيع وترويج هذا المنتج المميت، فقد أجمع علماء الاجتماع والباحثون الذين تناولوا هذه القضية وسلطوا الضوء على أسبابها ودوافعها بأن التفكك الأسري ورفقاء السوء هما العاملان الرئيسيان وراء كل ذلك الانجرار والانحراف؛ حيث إنَّ التفكك الأسري يعمل على تشريد الأبناء وانحراف سلوكهم وميلهم للجنوح والإجرام والعدوانية وارتكاب كافة أنواع الجرائم بما فيها المخدرات. أما رفقاء السوء فهم متلقفون لهذه الفئة البريئة التي لم تجد من يرشدها ويوجهها ويعتني بها ويهتم بتربيتها، فيعمدون إلى التأثير عليهم وإغرائهم وسد احتياجاتهم وتلميع الممارسات الضارة لهم، فيضللوا الشباب ويوقعوا بهم في دائرة الفساد وشرها، مستعبدين عقولهم الغضّة، مسخرين طاقاتهم من أجل الترويج والاتجار والتعاطي؛ حيث تتكلف المجتمعات الكثيرَ من الأضرار الجسيمة التي تخلفها هذه المشكلة على أفرادها من بينها الأضرار الصحية (نفسية، عقلية، بدنية) وأضرار اجتماعية وجوانب عدة لا يسع المجال لذكرها، ناهيك عن الخطر الذي يستهدف إرخاء التماسك الاجتماعي وأمن المجتمعات، متحكمة تلك العصابات الاجرامية في مصير الأفراد الذين أدرجتهم في قائمتها والذين نزعت عنهم ثوب الفضائل.

علينا جميعا أن نقف وقفة جادة في وجه كل من تسوّل له نفسه العبث بأمن مجتمعنا وصحة شبابنا وأخلاقهم، وأن يكون كل فرد منا جندياً يعمل في صالح الهدف الذي تسعى له الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية والمؤسسات الأخرى المعنية بهذا الشأن، متعاونين معهم من أجل الإسهام في تحقيق كل ما نصبو إليه ونأمله من شبابنا وطاقاتهم، كون هذه القضية قضية اجتماعية تهم الجميع، وأن نعمل على تجفيف منابع المروجين والمهربين، متصدّين لهم ومحبطين لكل محاولاتهم التي يسعون من خلالها إلى نشر هذا السم وترويجه، كما يلزم علينا إيجاد الوسائل والحلول اللازمة التي من شأنها أن تحد من تفاقم هذه المشكلة سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي، وضرورة عمل إستراتيجيات فعّالة تعمل على مجابهة ومحاربة ظاهرة المخدرات وتضييق أبعادها وتقليص مستوياتها وسد الثغرات التي تستغل من أجل إدخال المخدرات...وغيرها من المحظورات. وعلينا العمل على تثقيف وتوجيه وتوعية وإرشاد أبنائنا وشبابنا عن خطورة هذه الجرائم التي تهددهم وتهدد مستقبل بلدهم، وعلى كافة المؤسسات المعنية سواء كانت مدنية أو أمنية أو تربوية أو إعلامية أو اجتماعية تكثيف التعاون والتكاتف للقيام بالعمل الذي من خلاله نستطيع الحفاظ على الطاقات البشرية الوطنية وتوجيهها التوجيه الأمثل نحو الاتجاه الذي يصب في صالح عمان وأبنائها.

sultansalim2@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك