مهرجان مسقط للقراءة

خلفان العاصمي

مع انعقاد الدورة الحاليّة لمعرض مسقط الدولي للكتاب من الجيد أن نتحدث عن فكرة تنظيم مهرجان وطني للقراءة مع الاستفادة من التجارب العربية والدولية في هذا المجال، وكذلك تفعيل المقومات المتاحة لذلك سواء مركز المعارض والمؤتمرات المزمع افتتاحه خلال المرحلة القادمة أو الخبرات المتراكمة لمعرض مسقط الدولي للكتاب والجمهور المتعطش للقراءة وأيضا توجيه النشء نحو القراءة الورقية في ظل سيطرة أجهزة الاتصال والتواصل الإلكترونية بما تحمله من برامج وتطبيقات قد تلهي البعض وتغيب فكرة القراءة لدى البعض الآخر.

حيث يأتي معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الحادية والعشرين كأحد أبرز معارض الكتب على مستوى الوطن العربي من حيث السمعة الطيبة التي اكتسبها عبر دوراته السابقة والمبنية على أسس هامة تتمثل في ديمومة المعرض وثباته بشكل سنوي وعدد زواره الذي يتصاعد في كل دورة، والمساحة التي يقام عليها المعرض والتي تتوسع هي أيضا من دورة لأخرى سواء في مساحة العرض لتي بلغت في الدورة الحالية 8550 متراً مربعاً أو عدد الأجنحة والذي وصل الى 950 جناحا متوزعة بين قاعتي المعرض الرئيسيتين، وكذلك تنوع فعالياته ومناشطه وحرص دور النشر والمؤسسات الثقافية على مستوى الوطن العربي للمشاركة والحضور في دورات المعرض المختلفة لتقديم أحدث اصداراتها لجمهور السلطنة المعروف عنه حبه للقراءة والإطلاع، ويتضح ذلك من خلال متابعة القارئ العماني لمعارض الكتب التي تقام في الدول الشقيقة وتحظى بسمعة جيدة كمعرضي الشارقة والقاهرة الدوليين، وكميزة مضافة أيضا فإن معرض مسقط الدولي للكتاب يصنف من أفضل عشرة معارض للكتب على مستوى الوطن العربي ومن أبرز ثلاثة معارض على مستوى دول الخليج كما ذكر في المؤتمر الصحفي الذي عقد قبل انطلاق الدورة الحالية من المعرض التي تعد من الدورات التي تشهد مشاركة واسعة سواء على نطاق دور النشر المشاركة والتي بلغت أكثر من 650 دار نشر قادمة من 27 دولة عربية وأجنبية.

وللحديث عن فكرة تنظيم مهرجان للقراءة سواء على هامش معرض مسقط الدولي للكتاب أو أن يكون المعرض الفعالية الكبرى للمهرجان - مع حفظ المكانة والهوية الخاصة بالمعرض- سأركز على بعض العناصر التي تجعل من الفكرة قابلة للتنفيذ.

العنصر الأول يتمثل في الكاتب العماني الذي يجد في معرض مسقط للكتاب هويته وذاته كونه حجر الزاوية في هذا العرس الثقافي فتجده حاضرا منذ اليوم الأول سواء لاختيار ما سيشتريه من كتب وإصدارات أو للتعرف على دور النشر المشاركة وتوجهاتها وتعريف نفسه بها من أجل شراكة قادمة أو للالتقاء بأصدقاء الحرف الذين يجمعهم المعرض كما لم يجمعهم أي شي آخر من قبل ويشكلون صالونات مفتوحة للقراءة والنقاش والجدل حول إصدار لأحدهم أو لأي كاتب آخر، كذلك فإنّ فكرة أن يكون المعرض مهرجانا للقراءة وفيما يخص الكاتب العماني الذي يحتفي بتوقيع إصداره وهي ظاهرة جميلة تحرص عليها اللجنة المنظمة للمعرض كحرص الكتاب أنفسهم وحرص مؤسسات النشر الصادرة عنها تلك الكتب فنجد هذه الحفلات مجدولة وفق مخطط زمني ويتم الاشتغال عليها بشكل منظم من حيث الترويج لها وتعريف زوار المعرض بها.

العنصر الآخر الذي استوحي منه فكرة مهرجان القراءة من خلال معرض الكتاب هو الكم الجيد من مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية المحلية والمبادرات الفردية والجمعيّة التي تشكل حضورا جيدا في المعرض فمثلا أن تتواجد مؤسسات كالنادي الثقافي والمنتدى الأدبي والجمعية العمانية للكتاب ونادي الصم القادم من محافظة البريمي وشبكة المصنعة الثقافية ومؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر والترجمة والإعلان وغيرها من الصالونات والمكتبات العامة والمؤسسات الأخرى التي في مجملها تشكل برنامج الفعاليات الثقافية المصاحبة للمعرض من خلال أنشطة منوعة تتوزع ما بين المحاضرات والأمسيات والمبادرات الهادفة لتشجيع القراءة وللتعريف بكتاب جدد أو تقديم برامج تعين على التعود على القراءة وحب الاطلاع والمعرفة.

من المبادرات والحضور الجيد في الدورة الحالية لمعرض الكتاب والتي تشجع على وجود مهرجان للقراءة هو حضور اللجنة الوطنية للشباب والتي تسجل حضورا لافتا منذ الدورات الأخيرة للمعرض، وسط تنوع وتجديد في هذا الحضور، ففي هذه الدورة على سبيل المثال نجدها تنظم دوري للقراءة يتنافس من خلالها طلاب وطالبات مؤسسات التعليم المختلفة وكذلك فعاليات منصات التواصل الاجتماعي والتي يتم من خلالها استضافة شخصيات مؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي في حوار مباشر مع جمهور المعرض وأيضا مقهى الشباب والذي يعد منصة هامة في ركن اللجنة ويتم من خلاله الاحتفاء بشخصيات مؤثرة رحلت عن عالمنا كضيوف شرف في جلسات حوارية، وأيضا طرح قضايا فكرية معاصرة للنقاش حولها، بالإضافة لحفلات التوقيع لبعض إصدارات الشباب التي تبنتها اللجنة.

من العناصر التي ترتكز عليها فكرة وجود مهرجان وطني للقراءة هو الحضور الجيد للكتاب الأجنبي في أروقة المعرض فعلى سبيل المثال في دورة العام الحالي تشارك 33 دار نشر ومكتبة قادمة من دول عربية وأجنبية مما يعني توسع قاعدة الكتاب الأجنبي الموجه للقارئ المتخصص والقارئ الأجنبي المقيم في السلطنة وفكرة أن يكون ذلك جزءا من مهرجان القراءة ليكون للجميع.

نقطة أخيرة أعتبرها عنصرًا هاما في ترسيخ فكرة مهرجان القراءة والسعي لتنفيذه وهي الحضور الكثيف لطلبة المدارس وفق الجدول المعد لهم حيث يشكل هذا الحضور قاعدة مهمّة تنطلق من خلالها فعاليات مخصصة لهم لو كان هناك مهرجان وطني للقراءة.

تعليق عبر الفيس بوك