تنمية القيم الإنسانية عند الطفل وثلاثة أنواع من الفعاليات

عبيدلي العبيدلي

تكتظ المنطقة العربية بالفعاليات التي تجاوزت أشكال انعقادها التقليدية المُتعارف عليها، حيث أخذ البعض منها يستفيد مما يوفره له تقدم وسائل الاتصالات فراح يعقدها متجاوزة حدود الزمان والمكان، من خلال استضافة المُتحدثين، دون الحاجة إلى وجودهم الفيزيائي في قاعات الفعالية عن طريق حزم البرامج التي يستخدمونها مثل "سكايب" و"ويبنار" وما هو أكثر تطورًا منها. لكن بعيداً عن الجانب التقني يمكن تصنيف الفعاليات، بناء على محتوى المادة التي تعالجها إلى ثلاث فئات رئيسة:

الأولى يمكن أن نصفها بالإستاتيكة الراكدة، فهي بغض النظر عن سخونة الحوارات التي تُثيرها بين ردهات القاعات التي تقام فيها، لكن تأثيرها يتلاشى مجرد انتهاء الزمن الذي خُصص لها. فتصبح أثرًا بعد عين، دون أن يعني ذلك التقليل من أهمية الموضوعات التي عالجتها، أو مستوى الحوارات التي أثارتها. لكنها تبقى، رغم كل ذلك محدودة بزمن مُعين، وفي نطاق جغرافي مُحدد.

الثانية يُمكن وضعها في الفئة الديناميكية، وهي التي تتواصل الحوارات التي أثارتها حتى بعد انتهائها، لكنها لا تتجاوز نطاق محيط دائرة المشاركين فيها، وربما تضيق دائرة المشاركة، فتصبح حكراً على مقدمي الأوراق، أو المتحدثين، وربما الرئيسيين فقط. وتندرج تحت هذه الفئة تلك الفعاليات التي يُشارك فيها مجموعة مختارة من الأكاديميين، أو ذوي الاختصاص. هذه الفئة رغم ما تثيره من حوارات لاحقة بعد انتهاء أعمالها، لكنها تبقى أيضاً محصورة في نخبة محدودة العدد، مهما بلغت قيمة ذلك العدد.

نصل بعد ذلك إلى الفئة الثالثة والتي تكتسب صفة التفاعلية، بفضل ذلك التفاعل المتعدد الأطراف الذي تولده لحظة انعقادها، ولا يتوقف بعد انتهاء أعمالها، وتتجاوز حدوده البشرية المشاركين فيها متحدثين أم حاضرين. يجري ذلك بفضل موضوع الفعالية، وطبيعة المشاركين فيها، وطريقة تناول المادة المختارة.

يقع مؤتمر "تنمية القيم الإنسانية عند الطفل"، الذي انطلقت أعماله صبيحة يوم الأحد الموافق 21 فبراير، في المنامة الذي دعت إليه "الجمعية البحرينية لتنمية الطفولة" في قائمة الفئة الثالثة وذلك بفضل العوامل التالية:

1. توقيت المؤتمر، الذي جاء في مرحلة تكتظ فيها البحرين، بل ربما المنطقة العربية بمناقشات حادة حول طرق وأساليب "تنمية القيم الإنسانية" عند الأطفال في ظل اقتحام مواد وقنوات التواصل الاجتماعي، ليس منازلنا فحسب، إنما غرف نومنا أيضًا، وقبلها حجرات فصول مدارسنا، دون تمييز للسن، أو للنوع الاجتماعي، بل وحتى للقيم الثقافية والحضارية المترسخة في أذهان أطفالنا. فالجدل الدائر اليوم، وما يولده من نقاشات حادة في صفوف أولياء الأمور، والتربويين، يفرض نفسه على الفعاليات ذات العلاقة، ويواصل نقاشاتها بعد انتهاء أعمالها، وربما يوسع من نطاق المادة التي عالجتها.

2. عنوان أو موضوع المؤتمر، الذي يُسلط الضوء على قضيتين محط جدل واسع في صفوف المواطن العادي، قبل الرجل المُختص. إذ يمزج المؤتمر، كما يفصح عنوانه عن، مسألتين مركزيتين، قد تبدوان مستقلتان عن بعضهما البعض في الشكل، لكنهما، في حقيقة الأمر، مترابطتان في الجوهر وهما: "تنمية القيم الإنسانية"، والطفولة". فالكثير منّا يعتقد أنّ القيام بهذه المُهمة قضية سهلة وتلقائية، في حين، وهو ما ركزت عليه الأوراق المُقدمة، هي عملية معقدة، وطريقها طويل، وازدادت تعقيداً في الوقت الحاضر، بفضل التطور السريع المتواصل التي تشهده صناعة الاتصالات والمعلومات. مثل هذا العنوان، فرض نفسه كي يثير جدلاً واسعًا في صفوف الكثيرين ممن لم يتسنى لهم المشاركة، لكنهم عرفوا بها بعد انتهاء أعمالها، بفضل ما رشح حولها من معلومات أخذ البعض منها شكل تساؤلات في وسائل التواصل الاجتماعي.

3. خلفية المشاركين، فقد توزعت منطلقاتهم النظرية على انتماءات مختلفة البعض منها كان دينيًا راسخًا، لكنه منفتحاً، وغير متعصب، والثاني كان يقترب كثيرًا من الفكر الماركسي الذي التزم بالانتماء الاجتماعي مدخلاً لتحليل أسباب انتشار القيم وطرق معالجتها لاستئصال السيئ منه وتعزيز الحسن، أما الفئة الثالثة، فقد التزمت، إلى حد بعيد بالمدرسة التقليدية الأكاديمية، فغاصت عميقًا في النظريات، واستشهدت بما جاء به علماء سابقون عالجوا هذه المسألة، لكن من مداخل فلسفية، أو على أرضية ما جاءت به العلوم الإنسانية الأخرى. وأغلقت الفئة الرابعة دائرة فئات المتحدثين، وكانت مجموعة من الإعلاميين الذي ركزوا على دور الإعلام بأصنافه المختلفة، التقليدية والمعاصرة، في تنمية القيم في أذهان أطفال اليوم، من خلال توليد الحسن أو تعزيز، أو بتر السيئ أو استئصال عوامل توليده.

هذه الحالة من الجدل المُستمر التي ولدها، بوعي أو بدون وعي، "مؤتمر تنمية القيم الإنسانية عند الطفل"، والحالة الصحية التي ما تزال تتناسلها النقاشات الدائرة في صفوف من لم يحالفهم حظ الحضور، تثير تساؤلاً في غاية الأهمية وهو هل نستمر في عقد مؤتمراتنا في مكان مُعين، وفي فترة زمنية مُحددة، أم أنّ الوقت قد حان كي ننتقل من هذه الحالة التقليدية، مُستفيدين مما تتيحه لنا التطورات التي عرفتها صناعة الاتصالات والمعلومات، فنكسر قيود الزمان، ونُهشم عوائق المكان، كي تعم الفائدة قطاعات أخرى مُتعطشة ليس للاستماع إلى ما يدور من حوارات في هذه الفعالية أو تلك، بل للمشاركة فيها ليس في فترة انعقادها، وإنما حتى بعد انقضائها، من أجل إغنائها؟

ليس هناك شك في أنّ الفعالية قد حققت أهدافها، لكن القضايا التي أثارتها تستدعي التفتيش عن وسائل وطرائق توسع من دائرة المُستفيدين، بالقفز على حواجز الزمان، وكسر قيود المكان، وهو أمر متاح ولم يعد مستحيلاً أو معجزة.

تعليق عبر الفيس بوك