الحرب على التطرُّف والإرهاب.. حرب فكريَّة

سالم العريمي

يعيشُ العالمُ مُنعطفا خطيرا في ظلِّ التطوُّر التكنولوجي والانفتاح الإعلامي الذي لا يعترف بالحدود، وقد استغلت جماعات التطرف والإرهاب هذا الانفتاح في تمرير سمومهم وأهدافهم، واستهداف فئة الشباب للتغرير بهم باسم الدين؛ فلعبت وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها دَوْرًا في انتشار ظاهرة التطرف والإرهاب؛ ذلك لكونها الوسائل الأكثر انتشارا وسرعة في تناقل المعلومات والبيانات، كما أنَّها في متناول مختلف شرائح المجتمع المتعلمة وغير المتعلمة؛ مما سهَّل على أصحاب الفكر المضلل أن يغروا فئات المجتمع، خاصة فئة الشباب، بعدة طرق، ويوهمونهم ويروجون تلك الأفكار الهدامة باسم الدين، متخذين عدة أساليب للترويج، مستغلين الفراغ الفكري الذي يعاني منه شبابنا بتمرير فتاوى شيطانية مُغلَّفة بالدين الذي تم استغلاله للوصول لأهداف دنيوية تخدم أهدافهم المتطرفة.

لذلك.. فإنَّ التصدي لمثل هذه الجماعات ينطلق من تحصين شبابنا فكريًّا، وهنا لابد أن تتكاتف الجهود الفردية والمجتمعية والمؤسساتية لتتكامل منظومة التربية والتوجيه؛ فالأسرة أساس هذا التوجيه فنشأة الفرد في ظل أسرة تتابع تربية أبنائها بالتوجيه والمراقبة اللصيقة من خلال تربية متوازنة ومنفتحة ومسايرة لمختلف التطورات المحيطة فتربية الأبناء لا تقتصر على توفير متطلباتهم ورغباتهم، بل على العكس لابد أن توازن بين الجانب المادي والمعنوي؛ فتلبية رغبة الابن في توفير جهاز هاتف تتطلَّب متابعة وتوجيها ومشاركة لمختلف المواقع التي يشترك فيها الابن للتعرف على أصدقائه وتوجهاتهم، كما أنَّ الجلوس ومحاورة الأبناء في عدة مواضيع وتقديم صورة توضيحية لهم حول المستجدات التي تكون حديث الشارع ووسائل الإعلام بين فترة وأخرى، وما يكمن فيها من جوانب سلبية وإيجابية يُمثَّل جانبا مهمًّا. وكما الثقافة السلوكية للأسرة تنعكسُ بصورة مباشرة على تنشئة الأبناء، فإن الثقافة المتشددة للأسرة في ضبط السلوك وغيرها تنعكس سلبًا على الابن، والثقافة السلوكية المتوازنة في ضبط السلوك تنعكس إيجابا، ويأتي دور مؤسسات المجتمع فالإعلام المتوازن والهادف في برامجه وأنشطته والمعتمد على إدماج فئة الشباب في تلك البرامج من خلال لقاءات وفعاليات ثقافية متنوعة يكون إعلاما قادرًا على ملء الفراغ الفكري لهم، ومكملا لدور الأسرة.

وتلعب المؤسسة التربوية الحاضنة للنشء دورا مهمًّا ومحوريًّا في التربية والتوجيه، ويتصدر المعلم ذلك الدور من خلال ما يغرسه في نفوس طلابه قيمًا وسلوكًا، وأنْ لا تعتمد وظيفته على الجانب المعرفي العلمي فقط، بل لابد أن تسبقها قيمٌ وأخلاقيات المهنة التي تتطلب في أولوياتها القدوة المتوازنة الحسنة في السلوك فيكون موجها، وناصحا مكرسا قيم الهوية الوطنية، مسلحا بالفكر البناء، موجها ومرشدا لأبنائه بما ينفعهم ويخدم وطنهم ومجتمعهم، كما أنَّ الأنشطة الداعمة لشخصية المتعلم لابد أن تخرج من دائرتها الشكلية إلى أنشطة تنمي الموهبة، وتعمل على تكريس قيم المجتمع وهويته، وأن تعمل على رفع المستوى الثقافي للمتعلم لتجعلها شخصية واعية لمحيطها مدركة للمستجدات الإقليمية والعالمية لتكون أكثر تحصينا من أي أفكار هدامة، وبات من الضروري والملح أن تساهم الجمعيات الأهلية في رفع مستوى الوعي المجتمعي حول المحافظة على اللحمة الوطنية وتكريس مفهوم الوطنية والانتماء وحفظ النسيج المجتمعي وتماكسه فحين تتكامل، وتتعاون تلك المكونات سوف تبني نسيجا يحمي أفرادها من أي فكر مضلل هدام، ولن تجد تلك الأفكار بيئات حاضنة له.

salim.alarimi @moe.om

تعليق عبر الفيس بوك