الانتقاد للإصلاح وليس التشهير !!

فيصل بن زاهر الكندي

يطيب لبعض النّاس إطلاق سهام الانتقادات القاتلة على غيرهم دون أن ينتبهوا إلى أنّهم واقعون في نفس ما ينتقدون فيه غيرهم ودون التقيد بشروط الانتقاد الصحيحة فهنا يتحوّل المنتقِد من منتقِد إلى مُشَّهِر وهذا يحصل بتعمدٍ وبغيره فكيف تتحول انتقاداتنا من تشهير إلى نُصحٍ وإرشاد باتباع الطرق الصحيحة للنقد؟.

هدف الانتقاد هو النُصح والإصلاح وليس التشهير والفضح، إذًا لابد أن يتم الانتقاد بطريقة صحيحة حتى لا يتحول الهدف الأسمى له إلى هدف آخر لتصفية حسابات وغيرها وقبل البدء في سرد أُسس الانتقاد الصحيحة لنُسهب في تعريف المعنى اللغوي للانتقاد فهو مشتق من نقد الشّيءَ بيَّن حسنَه ورديئه أي أظهر عيوبه ومحاسنه ونقد النّاس أي أظهر ما بهم من عيوب فالانتقاد راقٍ في معناه وهدفه.

الحقيقة المهمة التي يجب أن يعِيها أي منتقد هي أنّه قبل أن ينتقد غيره يجب أن يتأكد تماماً أنّه ملتزم تماماً بما يَنتقِدُ فيه غيره مثال ذلك شخص ينتقد أخاه في قضية عقوق الوالدين يجب أن يكون المُنتَقِدُ باراً بوالديه قبل أن ينتقد غيره وكذلك إن كان الانتقاد بسبب سوء الخلق يجب أن يكون المُنتَقِدُ طيب الأَخلاق حسن السيرة والسمعة وهكذا إن كان انتقادك لشخص لا يزورك يجب أن تكون أنت مواصلاً له قبل انتقادك له وإلا فسوف يكون مثلك كمثل بعض الأطباء الذين ينادون بالمحافظة على الصحة وهم مدخنون فكيف يكون لنصيحته أثر ففاقد الشيء لا يُعطيه.

الأمر الآخر والمهم هو "الهدف" اسأل نفسك ما هو هدفك من الانتقاد هل هو هدف إصلاحي أم هدف آخر سلبي يجب أن تُحدِّد هدفك منه لأَنّ الهدَف هو من سيُمهد لك الطريق الصحيح الذي ستسلكه أثناء محاولتك لانتقاد غيرك فلو اهتَّز هذا الركن فلن تبقى لبقية الأركان باقية وسترجع بخُفي حنين من انتقاداتك بل ربما ستزيد الطين بلة والعقدة تعقيداً وسيتحول الانتقاد إلى تشهير بدل التصحيح والإصلاح لذا حدد هدفك من الانتقاد هل هو للتحذير أم للتشجيع أم للتصحيح بهذه الطريقة أنت تُحدد مسارك وتضمن تحقيق أفضل النتائج.

هناك نقطة أخرى مهمة يغفل عنها النُقاد وهي أيضاً مهمة وركن أساسي في الانتقاد تلك هي مسألة "التوقيت" إذ ليس في كل وقت وحين بإمكانك أن تنتقد الآخرين فهذا قد يُعرضك للمواجهة معهم بدل الاستجابة لك لأنّه وبكل بساطة الشخص الذي تنتقده في هذه اللحظة ربما يكون غير مستعد لأن يسمع منك النقد وربما تكون أنت لست مستعداً لذلك وقد تكون لست مؤهلاً لأن تكون منتقداً لغيرك فالتوقيت مهمٌ جداً ويسهم في عرض الانتقاد بطريقة صحيحة وبتوقيت سليم وبالتالي استقباله من الطرف الآخر بطريقة صحيحة وبنفس راضية.

ربما يكون الهدف سامياً والتوقيت مناسباً ولكن ثمّة أمر آخر قد يقع فيه النقاد فيكون سبباً في دمار الانتقاد من أساسه ألا وهو "الأسلوب" أو الطريقة المتبعة للانتقاد في إيصال الرسالة بطريقة مناسبة وواضحة ومفهومة ومحترمة ليس فيها جرح ولا ذم ولا تقليل شأن ولا إهانة ولا اتّهام فالأسلوب له أهمية كبرى في كل ما يتعلّق بالحوارات ومن بينها النقد ذاته إذ هو لُب الحوارات وجوهر النقاشات فهناك فرق بين النَّيل من كرامة الشخص وبين الانتقاد البناء الهادف الى إصلاح أمر وتصحيح مفاهيم وبناء قيم فالنقد البناء يكون بتوضيح الخطأ وتبيين الصحيح منه بطريقة صحيحة مقدمة على طبق من ذهب بعكس الأهداف الأخرى التي لا تهدف إلا إلى النَّيل من كرامة الشخص وفضحه وبيان عواره وتعريته أمام الآخرين ليبدو مقصراً في حقوق الآخرين مضيعاً للواجبات فينبسط الناقد لحاله السيء.

الانتقاد مهم جداً في عصرنا الذي تداخلت فيه القيم وتشابكت فيه المفاهيم وتواصلت فيه الحضارات ولكن الأهم منه هو الطريقة المُتبعة فيه فليس مهماً أن تنتقد غيرك ولكن الأهم من ذلك كيف قمت بهذا الانتقاد هل اتبعت الأسس السليمة له فهذا يؤسس لك طريقًا مُعبداً لتسلكه بأمان لتؤدي رسالة الانتقاد لمن تُريد دون مواجهة معه وبأقصر الطرق وبطريقة يرضاها المُنتقد ويتقبلها منك دون معاناة لأنّه وبكل بساطة لا ينظر إلى النقد نفسه قدر ما ينظر إلى شخصيتك ومكانتك عنده واحترامك له ويتجلى ذلك واضحاً في الأسلوب الراقي الذي اتبعته في انتقاده فهذا يشعره بمدى إخلاصك له واهتمامك به مما يجعله يستجيب لك وينتبه لما هو واقع فيه بل ويشكرك على انتقادك له.

تعليق عبر الفيس بوك