إعلامي اللا وئام يتحدث في ملتقى الوئام

د. سيف بن ناصر المعمري

كل ما أعرفه أنّ الإعلام لا يُمكن أن يكون محايداً، وأولئك الذين يعتقدون أنّ ذلك ممكناً يقفزون فوق تاريخ طبيعة الإعلام، ويقفزون فوق الكثير من الحقائق التي عايشناها وغيرنا من توجهات كثير من وسائل الإعلام وانحيازاتها، وتوجهات كثير من كُتاب هذه الوسائل الإعلامية، فالوسائل الإعلامية هي سلطة تتبع سلطة، وأدوات طيعة لمن يستطيع أن يتحمل تكلفتها، ولذا استغربت كثيراً من العنوان الذي اختار أحد أهم المراكز في بلدنا لندوة جمع فيها بين الضدين الإعلام والوئام، وقلت لنفسي وهل يُمكن أن يكون الإعلام وسيلة لتحقيق الوئام العربي بصفة خاصة أو الوئام العالمي بصفة عامة؟ وزاد السؤال من ضغطه عليّ وعلى عقلي الصغير الذي يُحاول دائماً أن يفهم ما لا يُفهم، وأن يقرأ بين السطور ما لا يُذكر فيها صراحة، عندما وجدت اسم إعلامي عربي يُشارك في هذه الندوة، اسم عُرف بتاريخ من التقلب في الآراء والأفكار، عرف بتغييره لمكانه تبعاً للظروف والمُتغيرات من حوله، بمعنى آخر لا يُمكن أن يكون هناك ملتقى يُحاول أن يجعل للإعلام دوراً في تحقيق التسامح والحوار الإنسانيين، وأن يكون المُتحدث فيه هذا الإعلامي الذي لا أزال أجد في مقالاته التي تتداول في شبكات التواصل الاجتماعي لدينا تقويضاً لأيّ وئام في المنطقة، ولا يزال موقفه ليس في الوسط إنما في أقصى اليسار، فكيف أفسحنا لهذا الإعلامي فرصة ليكون جزءًا من مشروعنا الإنساني لتحقيق التقارب بين الشعوب والحضارات؟.

لست ضد إتاحة الفرصة لمختلف التيارات الفكرية والإعلامية، ولكن أنا أرى أنّ مشروع الوئام الذي يتبناه المركز الذي أشرف على هذه الندوة يحتاج إلى أُناس يتبنون فكرة الوئام، ولديهم من التاريخ ما يؤهلهم ليتحدثوا عن حيادية الرسالة الإعلامية، أما أولئك الذين لا تزال كلماتهم تؤجج الصراع في المنطقة أكثر من كونها تُساعد في إيجاد فرص للأمل بالغد، فأرى أنّ وجودهم يؤثر سلباً على ذلك المشروع، وأعود وأسأل نفسي هل تواجد هذا الرجل في هذه الندوة جاء لأنّه يذكرنا بخير حتى الآن، لأنّنا لسنا طرفًا في قضايا الأطراف التي يصطف معها، ماذا لو انقلب علينا غدًا، وهاجمنا بكلماته ماذا سيكون موقفنا منه، هل سندعوه مرة أخرى إلى البلد؟.

وللذين لا يعرفون تاريخ هذا الإعلامي الذي أجلس في الفترة الماضية ليتحدث لنا عن الإعلام وتحقيق الوئام أسرد مثال واحد له وهو موقفه من غزو العراق لجارة عزيزة علينا هي الكويت حيث جعل منها قلمه جلاداً وهي الضحية، وجاء في مقال لاحق له:" الكويت وحكومتها بالذات هي التي يجب أن تعتذر للأمتين العربية والإسلامية على جريمتها في حق العراق وشعبه، ...الحكومة الكويتية ابتزت الشعب العراقي، مثلما ابتزت الأمة العربية ...وتصرفت تصرف شيلوك تاجر البندقية .. أليس من حق الشعب العراقي أن يطالبوا هذه الحكومة بمئات المليارات من الدولارات عن دورها في غزو بلادهم ومقتل عشرات الآلاف منهم ونهب ثرواتهم"، أكتفي بهذا الجزء من كلام هذا الإعلامي الذي جعل من الكويت السبب في كل ما جرى للعراق وحملها آثاماً لم تكن هي سبب فيها لا في تدمير العراق ولا في ما حلّ بها، فأيُّ وئام يمكن أن يولد من هذا التاريخ، وأيُّ حياد يمكن أن يتشكل من كل هذا الانحياز، إنّ هذا الإعلامي يعبر عن معتقدات سلبية ليس تجاه هذه الدولة الخليجية بل تجاه الخليجيين الذين يرى هو وكثير من الإعلاميين العرب أنّهم ليسوا جديرين بأموال البترول، فالعرب أولى بها ولا أفهم حقيقة لماذا كل هذه المعتقدات التي لا يزال هؤلاء يحملونها مع أنّ دول الخليج تخطب ودهم، وتُغدق عليهم من عوائد بترولها، وتنزلهم منازل لا تُنزلها الكفاءات من مواطنيها لأنّها تُريد بعض الشهادات التي يمنحونها أو يسحبونها من الدول تبعًا لعوامل يعرفها كثيرون.

إنني مؤمن بالمشروع الحضاري الإنساني الذي نقوم به، المشروع الذي يرتكز على أفراد يجسدون هذه القيم، ورغم أهمية الندوة التي عقدها المركز المعني إلا أنني تنميت ألا يكون فيها مكان لأولئك الذي يجسدون حالة اللاوئام الفكرية إلا إذا منحت الفرصة لآخرين من تيارات أخرى، لأنّ مثل هؤلاء سوف يشوهون الغايات النبيلة التي يسعى إليها هذا المشروع، ووجودهم سيعطي مؤشرا يرتبط بدرجة مصداقية المشروع، ولا نُريد أن يحدث ذلك نتيجة لتقديرات مرتبطة بالوضع البراجماتي الذي تمر به المنطقة، ويلعب فيه هذا الإعلامي دورًا كبيراً كما تلعب فيه مؤسسات إعلامية أخرى دورًا معاكساً، ونحن لسنا مع اليمين أو اليسار، نحن لا ناقة لنا ولا جمل في صراعاتهم والعوامل التي تحركها، ومشروعنا وقيمنا أكبر من أن يفهم هذا الإعلامي وغيره من الكتاب الذي ارتضوا لأقلامهم أن تكون متحركة بدلاً من أن تكون ثابتة، ولكن في ظل تبدل المفاهيم وازدواجيتها لا استغرب أن يوجد مثل هذا الإعلامي في ندوة تتحدث عن الوئام، فالأشياء ليست في أماكنها.




تعليق عبر الفيس بوك