ما بين الحاجة للاهتمام برأس المال البشري وتقنين الإنفاق في الوضع الراهن

علي الحراصي

تمر منطقة الشرق الأوسط عامة والسلطنة خاصة، بتحديات التكيف مع الموازنات الحالية لمؤسساتها الحكومية وقطاعاتها المختلفة من تعليم، وصحة، وتجارة، وصناعة، ومشاريع خدمية، وبنية أساسية وغيرها، في ظل تقنين الإنفاق العام في الموازنات نتيجة انخفاض أسعار النفط غير المتوقعة والذي يُشكل مصدر الدخل الأساسي لدول المنطقة.

وقد قامت كثير من المؤسسات الحكومية بتفعيل آليات الضبط والترشيد في بعض بنود الإنفاق مثل: النثريات، والنقليات، وتقنين صرف المكافآت، وتأجيل طرح الشواغر الوظيفية، وتأخير ترقيات الموظفين، وكذلك تقليص حجم الإنفاق في مجالات تنمية الموارد البشرية من تدريب وتأهيل.

وقد تفضّل جلالة السلطان المعظم بالتوجيه في اجتماع مجلس الوزراء الموقر الأول خلال هذا العام، بإعطاء الأولوية القصوى للتنمية البشرية وتوفير التدريب والتأهيل لها رغم تداعيات الأزمة المالية.

وعالمياً وفي إطار الاهتمام بالموارد البشرية يؤكد توني بينجهام الرئيس التنفيذي للجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير أنّ الولايات المُتحدة تنفق ما يقارب 150 مليار دولار سنوياً على هذا المجال، وبالرغم من الأزمة المالية لأمريكا عام 2008م، إلا أنها استمرت في رصد ميزانيات ضخمة في تنمية الموارد البشرية.

ومن هنا يأتي الحديث عن تحدي الاستمرار في إدراج برامج تنمية الموارد البشرية من تأهيل علمي وتدريب إداري وفني في الموازنات السنوية لهذه المؤسسات في ظل الحاجة الماسة إلى استمرارية الاهتمام برأس المال البشري كإستراتيجية تسهم في زيادة إنتاج المؤسسة، وبالمقابل تصاعد المطالبات والتوجهات بمحدودية حجم الإنفاق فيها؛ كمساهمة في استقرار هذه الموازنات وتكيفها حتى نهاية السنة المالية وتحسن أسعار النفط العالمية.

ينصح خبراء تنمية الموارد البشرية في مثل هذه الأزمات المالية، وفي ظل انتشار المؤسسات التجارية المتسمة بضعف الجودة والأداء والتي تستند على كفاءات وكوادر هشة البناء، بالتركيز على برامج التدريب والتأهيل ذات الجودة العالية، والأهداف الواضحة التي تغذي بيئة العمل وفق حاجة موظفيها لمهارات تسهم في علاج مواطن الضعف فيها، وتسهل وتزيد من الإنتاجية. هذه البرامج ذات العائد من الاستثمار يجب أن تخطط بدقة كبيرة قبل وأثناء وبعد التنفيذ، لتحقيق الهدف الأسمى وهو تنمية المهارات البشرية ضمن مخصصات التكلفة والحصول على عائد ربحي. ومن أمثلة هذه البرامج: برامج خاصة لتنمية المهارات في تقنية المعلومات، والبرامج الهادفة للتأهيل والترفيع الوظيفي، وبرامج ذات أبعاد تنمية اقتصادية واستثمارية، وغيرها من برامج التأهيل والتدريب الإداري والمهني ذات المردود السريع والمضمون.

لذلك يجب تفعيل استراتيجيات التدريب بدقة كبيرة برسم خُطط التدريب والتطوير المؤسسي الفردية والجماعية بحيث يتم من خلالها تحديد الاحتياجات والأهداف المنوطة بكل برنامج، واختيار المواد العلمية والعناصر التطبيقية، وتفعيل استراتيجيات نقل التدريب، والترشيد في التجهيزات اللوجستية قدر المستطاع بحيث لا تؤثر على مسار البرامج مثل: اختيار قاعات التدريب وتوفير أجهزة العرض وملحقات التدريب الأخرى، وأخيراً قياس العائد المالي والتنموي من الاستثمار في كل برنامج، ويجب ألا ينتهي دور المدربين إلى تنفيذ البرنامج فقط وإنما المشاركة في عملية التقييم والقياس.

كما يفضّل الاستفادة من الكوادر المؤهلة من داخل المؤسسات للقيام بعمليات التدريب (المدرب الداخلي)، حيث إنّ بعض المؤسسات غنية بالموظفين المؤهلين والقادرين على القيام بهذه العملية، مقابل رسوم أقل فضلاً عن التعاقد من مؤسسات تدريبية خارجية تكلف الكثير، بل إنّ هذه الكوادر مُطلعة على واقع المؤسسة التي يعملون فيها وهم أدرى بمدى حاجتها من مواد الدورة التدريبية وأهدافها بل ستكون عملية متابعة الأثر العائد من التدريب سهلة لهم بالتعاون مع المسؤولين المباشرين للمتدربين خاصة إذا كان التدريب على رأس العمل.

إنّ تفعيل مراحل عملية التدريب المتكاملة في ظل انخفاض السيولة المالية يساهم في أن تعتاد المؤسسة على اختيار البرامج التدريبية الهادفة بشكل مستمر، إذ ستوفر الجهد والوقت والمال، ويسهل عليها تمحيص البرامج التدريبية المجدية عن غيرها، علماً بأنّ ذلك سيحتاج إلى جهد ووقت كبيرين قبل البرنامج التدريبي في فترات التخطيط، وتحديد الاحتياجات، إلى ما بعد احتساب العائد من التدريب.

من هذا المنطلق، تنصح المؤسسات الحكومية والخاصة بترتيب الأولويات في عملية التقنين والتقشف حتى لا يطغى جانب على الآخر، وأيضاً حتى يحدث التوازن الهادف حتى نهاية السنة المالية للمؤسسة دون خسائر أو تأثير على بقية العناصر.

تعليق عبر الفيس بوك