حصير المستشفى السلطاني

عزيزة راشد

قبل 23 سنة، كنت أرى السماء رمادية اللون، تشبه قلبي الحزين الذي كنت أحمله وهنا على وهن، وأنا أذهب يوميًا مع إخوتي لزيارة أبي رحمه الله النائم كالملاك متألمًا على سرير المرض في المستشفى السلطاني، كان لنا رباط هناك في المشفى العتيق، نطوي المسافات على تجعدات الطريق، نحمل قلبا من الحزن لم يستفق، فور نزولي من السيارة قادمين من السويق إلى المستشفى السلطاني، كانت عيناي تقع على حصير فرش تحت شجرة في مواقف السيارات، تجلس عليه مجموعة من المراجعين للمستشفى ربما أتوا من أماكن بعيدة، كان الحصير يحتوي على فراش وأوانٍ وموقد للطبخ وبقايا أطعمة، مكوّنات إقامه كاملة لكن في العراء.

نفس المشهد تمامًا شاهدته بالأمس وأنا أزور أحد المرضى في نفس المستشفى، وقفت طويلا أمام المشهد، عادت بي الذاكرة إلى ما قبل 23 سنة، لم يتغير شيء اطلاقًا، رغم إننا دائما نتفاخر أنّ عمان تغيرت، وأنّ التنمية أزدهرت، وأنّ الأفكار تجددت، وأننا في مرحلة من مراحل العصر الحديث والعصر الأليف والعصر التكنولوجي السريع التطور، وأنّ العناية الصحيّة تعمّقت والرعاية تجددت والخدمة نهضت والمتابعة استمرت، لكن بقى الحصير في المكان وفي نفس المكان مهما تبدلت صيرورة الأمكنة.

تأتي التحويلات الطبية من المستشفيات والمراكز الصحية بالولايات يوميًا إلى العاصمة مسقط، ومعها تأتي الأسرة حاملة مريضها للعلاج وقد يستمر وجود هذه الأسر إلى أيام وأحيانا شهور، وتبقى العائلة بلا مأوى، منهم من لا يترك مريضه لحاجته إليه، ومنهم من ينتظر سريرا ليرافق مريضه، ومنهم أمهات عاندن الوجع وبقين بجانب أطفالهن، وكل له ظروفه التي تمنعه من الإقامة في فنادق.

تفرش الحصر تحت الأشجار في منظر لا نتمنى أن نراه في بلدنا الغالي عمان، منظر كهذا نراه في سفرياتنا حول العالم، تحت جسر لندن وأشجار القاهرة وأزقة السويد ومحطات روما، لا نتمنى أن نراه في بلادنا..

إنّ عمان محط أنظار كل المجتمعات والمنظمات الدولية والسواح الأجانب، ربما صورة واحدة تلتقط لحصير المستشفى السلطاني مع عنوان مثير وخبر مفبرك قد يثير حفيظة المجتمع العماني أولا، الذي لا يرضى لإخوته أن يناموا في العراء بهذا المنظر البائس، خبر قد تأخذه المحطات الإخبارية وكل ألوان الطيف الإعلامي مادة دسمة لانتقاد السلطنة، مضخمة من الموضوع وتحمله ما لا يحتمل نحن في غنى عن كل ذلك، فالفبركة والتشويه المتعمد لصور البلدان أصبحت الشغل الشاغل للبعض في ظل الأوضاع السياسية التي تعيشها المنطقة في هذه الفترة.

نفس الحصير يفرش في عدد من مستشفيات العاصمة مسقط سواء في الساحة العامة أو مواقف السيارات حول المستشفيات في منظر نخجل من رؤيته، 23 سنة وقت كاف لإيجاد حل لهذه الظاهرة، إنه عمر جيل بأكمله، فلا نريد أن يصبح حصير المستشفى وراثة في الأسر المراجعة للمستشفيات في العاصمة مسقط.

مراجعو مستشفيات العاصمة لمرضى السرطان تمّ تخصيص بناية لذويهم ولهم أثناء مراجعتهم للعلاج للمستشفيات في العاصمة مسقط، وهذا إنجاز يحسب للجمعية العمانية لمرضى السرطان وجهد تشكر عليه وزارة الصحة إن كان لها دور في ذلك، ولكن ماذا عن بقية الأمراض؟ لماذا لا تقوم وزارة الصحة بتوفير أماكن إيواء للمرضى وذويهم القادمين من مناطق بعيدة للعلاج في مستشفيات العاصمة مسقط، لماذا لا تطوي وزارة الصحة الحصير وتفرش بدلا منه بناية تستقبل المرضى وذويهم، ولعل أصحاب الأيدي الخضراء سيقفون مع هؤلاء المرضى وذويهم، وسيتبرعون بمسكن ملائم للمرضى وذويهم طلبًا لظل رحمة من الله يوم لا ظل إلا ظله، فهل من متبرع؟

تعليق عبر الفيس بوك