الطيران العماني .. هذا الميدان يا حميدان

د. سعيدة بنت خاطر الفارسي

كثيرة هي الكتابات التي تناولت الطيران العماني بالنقد والمقترحات، وكثير هو الصمت من الطرف الثاني، وكثير ما تبددت هذه الاقتراحات في الهواء، والحقيقة أنّ معظم كتاباتنا كانت تنحو نحو الشكاوي والانتقادات، بعضها أصابت الحقيقة وبعضها تجاوزت المعقول، والجميل في الأمر أنّ الشركة لم ترد كتابياً إلا نادرًا، ربما عندما تشعر بأن الكاتب قد تجاوز المنطق، أو أسرف في الظن الخاطئ، والتهجم من منطلق(عرفت شيئًا وغابت عنك أشياء).

والحقيقة أنني واحدة ممن كتب، وأعترف أن بعض الكتابات جاءت بلهجة حادة أحياناً، لكن الشركة استجابت لمُعظم ما جاء في المقال وتمّ تغيير لون الملابس السابقة إلى لون مُفرح مستمد من زرقة الفيروز في شواطئنا العمانية، وغيرها من المقترحات، ولاشك أنّ هذا التقبل لآراء الكتاب والمواطنين يشجعنا أن نطلب المزيد مماهو في صالحنا وصالح الشركة على حدٍ سواء، ولعله من المطالب المجدية والهامة لنا حالياً ما سنعرضه في هذا المقال، فقد طوحت بنا الأسفار، وتقاذفتنا السبل، واستهلك وقتنا الترانزيت بالساعات الطوال من الانتظار المُدمر للوقت والصحة، عبرالمطارات المختلفة، ومن الملاحظ أنّ العلاقات بين عُمان ودول المغرب العربي (الجزائر المغرب تونس وليبيا) قد ازدادت مؤخراً زيادة ملحوظة، ولعل هذه العلاقات المتنامية المتطورة حالياً ومستقبلاً إن شاء الله، تقتضي تخصيص خط طيران للمغرب العربي، كيف وأنّ العمانية تصل لشرق أفريقيا ولمصر، وما موقع مصر منها ببعيد، المهم أنّ يوجد خط من عُمان لا يرغمنا على السهر المتواصل والذهاب للمطار من الساعة الثالثة فجراً، وتكتمل المعاناة بالانتظار الطويل ترانزيت خمس أو حتى 3 ساعات، هذا التوقيت المُتعب نستحقه لأن طيراننا يعتذر - بحجة عدم الجدوى الاقتصادية - عن الذهاب لوجهات أصبح يرتادها كثير من المسافرين، وهذا التوقف الطويل في المطارات أيضاً نستحقه لأن من لم تعزه خطوطه الوطنية لا يكترث له الآخرون، ونحن وقعنا في مصيدة اللامبالاة.. وأعتقد أنّ حجة الرحلة مُكلفة وغير مجدية اقتصاديًا لعدم وجود مستخدمين هي حجة أصبحت واهية وغير مقنعة حالياً، لقد سافرتُ سنة 2009م إلى الجزائر للمشاركة في مهرجان العكاظية الشعري، ساعتها حملتنا القطرية وكانت طائرة صغيرة محدودة المقاعد، والمسافرون قلة، بعد ثلاث سنوات ذهبتُ للمشاركة في اجتماعات اتحاد الكتاب العرب على نفس الخطوط فإذا الطائرة ضخمة جداً وقد امتلأت بالصينين، ما شاء الله ماكل هذا؟ أفهمني من جلس بقربي من الجزائريين فزال العجب، في نفس العام تلتها سفرة ثالثة، وجاءت هذا العام سفرة أخرى للجزائر، الطائرة أصبحت أضخم ما يُقارب أربعة أقسام سياحية امتلأت عن آخرها، أعتقدت أنني وقعتُ سهوا في إحدى حواري الصين الشعبية، هذه المرة الجزائرية تبرعتْ وشرحتْ لي أن القطرية تذهب عامرة بالمسافرين وتعود حبلى بهم، والربح الاقتصادي مدهش.

إذن لعله من المفيد أن نُركز على العلاقات الجزائرية العمانية بالذات، وذلك من باب العلم بالشيء، إذ علمتُ أنّ هناك اتفاقية بين البلدين تتمثل فيما يلي: إن الأساس القانوني لتسيير رحلات للجزائر ومسقط تشير إلى أن اتفاقية النقل الجوي الموقعة عام 2007
لتنشيط العلاقات بين البلدين بحاجة إلى وسائل نقل أهمها النقل الجوي، إذ يمكن للسلطنة أن تكون بوابة للجزائر ناحية شرق آسيا وشرق أفريقيا، ويمكن للجزائر أن تكون بوابة للسلطنة ناحية بلدان الساحل الأفريقي، ويمكن لمحطة مسقط أن تكون مكاناً مناسباً لركاب الترانزيت من الجزائر للصين وبلدان شرق آسيا.

ومن الملاحظ أنّ العلاقات السياسية بين البلدين طيبة للغاية وهذه ينبغي استثمارها لتنشيط العلاقات الاقتصادية، وهذا لن يتأتي إلا بوجود وسيلة نقل مثل النقل الجوي.

وبما أنّ كل الرحلات المتجهة من وإلى الجزائر ممتلئة، بل ويتطلب الحجز مبكرًا للحصول على مقعد - وهذا ما لمسته بنفسي خلال الزيارات الأربع للجزائر - فأين تكمن الإشكالية في فتح خط واحد يخدمنا ويخدم المغاربة من مسقط إلى دول المغرب العربي ؟؟ خاصة وأن أعداد العاملين في مسقط من أبناء تلك الدول في تزايد، وأعداد العمانيين الراغبين في الذهاب إلى هناك للتعلم أو للسياحة أو حتى للعمل والتبادل التجاري في ازدياد ... وطالما أنّ الحاجة هي أم الاختراع - ونحن في أمس الاحتياج - إذن رجاءً اخترعوا لنا خطًا لتلك المنطقة العربية الجميلة والعزيزة على قلوبنا جميعاً.

وطالما أنّ الأمر ليس ذا قيمة اقتصادية مكلفة بل ستكون مربحة، بدليل أن الطيران الإماراتي قد دخل اللعبة مع القطري وقدم عرضا جديدًا بتخفيض يصل إلى 45% على الرحلات بين الجزائر والصين على متن الإماراتية بداية من 16 فبراير إلى 30 سبتمبر خلال 2016م وفق ما نشرته إحدى الصحف الجزائرية أمس، فلماذا لا ندخل الميدان وهو يتسع لأكثر من لاعب، على أن نلعبها بذكاء إذ لا يمكن أن تقدم لي القطرية التذكرة بـ 180 ريالاً على سبيل المثال، وأقدمها أنا بـ300 ريال كما هي العادة، هذا الغلاء هو ماجعل المواطن يرمي بنفسه في أحضان اللاعب الأشطر الذي يربح قليلاً لكنه يبيع كثيرًا ... وتربية الزبون لا تخضع لقانون (اهبش واهرب)، بل لتعامل متوازن يخضع للعقل والقلب والجيب، وذلك حتى أكون رفيقاً دائماً معكم في السفر ... باختصار شديد علينا أن نتعلم فن التنافس والمبارزة، فالميدان بدأ يضج باللاعبين الماهرين، والطيرانات الخليجية تتفنن في الجذب فما بالنا نتفنن في الطرد بالمبالغة في الغلاء، ونتفنن في عدم استغلال الفرص المتاحة لنا أكثر من غيرنا !!!

ثم بعد ذلك وبعد أن تتقن شركة طيراننا فن الحسبة الاقتصادية والدعاية والسياحة والتعامل مع الزبون نقول: هذا الميدان ياحميدان نافس وأنت الكسبان.

تعليق عبر الفيس بوك