حاتم الطائي
مياه كثيرة جرت تحت جسر الإنجاز منذ أن قال جلالة السلطان قابوس: "سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل الشجر"، وصولا إلى المرحلة الحاليّة حيث تزهو عمان بجامعاتها ومدارسها، وتفاخر بكوادرها المتعلمة..
تزاحمت الخواطر في داخلي، وتراءت الصور، وأنا أتجول في أروقة معرض "ملامح من مسيرة عمان الحديثة" الذي افتتح قبل عدة أيام لتوثيق المسيرة المضيئة لإنجازات جلالة السلطان على كافة الصعد وفي مختلف المجالات..
ويقيني إنّه من الصعب الإحاطة بجوانب سجل الإنجاز السامي الحافل بجلائل الأعمال، من خلال معرض، أو احتوائه بين دفتي كتاب، لأنّه أكبر من ذلك وأشمل.. والنظرة المنصفة تعجز عن المقارنة بين ما كان وما هو كائن على أرضنا الطيّبة..
فالمعرض يشكل مقاربة لرصد الدور الكبير، والرائد لمولانا السلطان قابوس بن سعيد في تحقيق المنجز العماني على مدى 46 عاماً من العمل النهضوي، من خلال صور معبرة، والصورة كما يقال "أكثر بلاغة من ألف كلمة".
ويجسّد المعرض كذلك فرصة للجيل الجديد للتعرّف على عمان الأمس كيف كانت، ومقارنتها بعمان النهضة كيف أصبحت. بالأمس كانت بلادنا تفتقر إلى البنى الأساسيّة في جميع مجالات الحياة، حيث لا مدارس ولا مستشفيات ولا طرقا معبدة، أمّا اليوم فالمدارس والمعاهد والكليات والجامعات، تنتشر في ربوع بلادنا لتنير عقول الناشئة بنور العلم والمعرفة، وما كان لهذا أن يتحقق لولا إرادة القيادة التي قهرت الصعاب في سبيل تحقيق حلم شعب يمضي متلاحماً مع قيادته في مسيرة البناء والتقدم.
وتتنوّع الصور في هذا المعرض الذي يواكب بعض المحطات التاريخيّة في مسار نهضة عمان الحديثة، ليسجل مواقف، ويرصد إنجازات غيّرت وجه الحياة في هذا الوطن، ورأت النور بحنكة السلطان قابوس، الذي يستشعر احتياجات شعبه الآنيّة، ويستشرف متطلباته المستقبليّة ليعمل على تحقيقها على أرض الواقع..
ينتقل بنا المعرض عبر بعدين: مكاني وزماني، فمكانيًا يرصد صورًا للمسيرة الحديثة لعمان بقيادة قابوس في مختلف المحافظات والولايات، من صلالة في أقصى الجنوب مرورًا بالوسطى والداخلية والشرقية والظاهرة والباطنة ومسقط حتى مسندم في أقصى الشمال..
وزمانيا: يرصد الفترة الممتدة من بواكير عصر النهضة المباركة إلى يومنا هذا..
وتسجل الجولات السامية لجلالته، حضورا متألقًا في المعرض، حيث ترى جلالته قريباً من أبناء شعبه ينصت إلى همومهم، ويتجاوب معهم، ويوجههم في حوار مباشر وشفاف، وجدير بالإعجاب والتقدير، خاصة أنّ هذه الجولات تمخّضت عن ثمار يانعة من التنمية للمحافظات، إضافة إلى متابعة سير العمل التنموي، وإضافة مشاريع جديدة في كل مرة. وقد نبعت من هذه الجولات السامية الكثير من القرارات الهامة في مسيرة التنمية العمانية، ويحضرني في هذا المقام انبثاق فكرة صندوق الرفد إبّان الجولة السامية لجلالته بمحافظة الداخلية ومن المخيم السلطاني بسيح الشامخات ليكون أهم المشاريع الداعمة للشباب.
وعندما تُمعِن في تأمل الصور البديعة لجلالته وهو بين أبناء شعبه، تتناهى إلى مسامعك كلمات جلالته وهو يخاطب شعبه: "شعبي العزيز" و"أيّها المواطنون الأعزاء".. وهي من العبارات التي تعكس حب القائد لشعبه الذي يبادله الوفاء والإخلاص، وتجسّد بجلاء علاقة التلاحم المتفردة، وتبرهن على قوة النسيج الوطني في عمان الحديثة..
ومن المشاهد الإنسانيّة التي تستوقف الزائر للمعرض وتخلد في وجدانه، تلك الصورة التي يبدو فيها جلالته يحاور طفلا يؤدي التحيّة العسكريّة لجلالته في سماحة وأريحية، في مشهد رائع يجسد التلاحم بين القيادة والشعب بكافة أطيافه، والمجتمع بمختلف أعماره صغيره وكبيره..
ويوثّق المعرض لجولات جلالته في ميادين التنمية، وفي ساحات العطاء؛ ففي صورة يفتتح منطقة الرسيل الصناعيّة، ويتجوّل في المصانع العاملة بالمنطقة، وفي أخرى يتفقد جلالته حقول النفط، ويتابع التقنيّات الحديثة المُستخدمة في استخراجه، ويصافح القوى العاملة الوطنية هناك ويشد على أياديهم ويعطيهم الدافع للمزيد من العمل من أجل عمان.
وينقلنا المعرض إلى فضاءات أرحب، بتوثيق لقاءات جلالته مع ملوك ورؤساء العديد من دول العالم، حيث تعكس هذه الصور متانة علاقات السلطنة مع مختلف الدول، فهناك صورة تجمع جلالته مع الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، وثانية مع الملكة إليزابيث الثانية ملكة المملكة المتحدة، وثالثة مع الزعيم نيلسون مانديلا، وأخرى مع الملك حسين بن طلال ملك الأردن السابق، وغيرها الكثير من الصور التي تؤكد العلاقة الطيّبة التي تربط جلالته بقادة العالم ورؤساء الدول، وتقديرهم لدوره الرائد في إرساء السلام والاستقرار بالمنطقة.
وثمّة صور توثّق لجانب مُهم في شخصيّة جلالته، وهو الشغف بالقراءة والاطلاع، ففي أكثر من صورة نجد جلالته يتصفّح كتاباً، فيما الخلفية تزدان بأمهات الكتب.. وصورة أخرى يطالع الصحف العمانية.
كما عُرف عن جلالة السلطان حبه للخيل وعنايته الفائقة بسلالاتها؛ لأنّ الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.. ومن الصور الجاذبة في المعرض، صورة لجلالته يمتطي حصانه الأبيض على أحد شواطئ صلالة..
والمعرض يحفل بالعديد من الصور المُعبرة يربو عددها على الـ 700 صورة بعدسة مصور فنان قدير استطاع أن يقتنص اللحظة بحرفيّة عالية وهو محمد مصطفى المصور الخاص لجلالة السلطان؛ والذي قال عن المعرض"هذا المعرض أقل شيء يمكن أن يقدمه المرء لجلالة السلطان المعظم"..
ونختتم هذه القراءة في معرض "ملامح من مسيرة عمان الحديثة" بالتضرّع إلى الله سبحانه بأن يكلأ قائد هذه المسيرة الظافرة بعين رعايته، وأن يحفظه ذخرًا لعمان، ويُنعم عليه بتمام الصحة والعافية..
واليوم.. يغادرنا جلالته متوجّهاً إلى ألمانيا لمُتابعة الفحوصات الطبيّة الدوريّة؛ تهفو قلوبنا جميعا إلى عودته في أسرع وقت إلى أرض الوطن، سالمًا معافى؛ ليواصل قيادة مسيرة عمان الحديثة نحو المزيد من التقدم والازدهار.